عبد الرحمن حلاق – الكتاب السوريون والعنف الثوري

تداعى عدد من المثقفين بعد الثورة لتشكيل رابطة للكتاب السوريين، وكانت الرابطة أول مؤسسة مدنية تنبثق من رحم الثورة، بعدد أعضاء في حينها اقترب من المئتين وخمسين كاتباً وكاتبة، تم انتخاب 34 منهم أمانة عامة اجتمعت في القاهرة في الشهر التاسع من عام 2012 وعلى مدى أيام ثلاثة تم تشكيل مكتب تنفيذي واختيار أمين عام وإقرار نظام داخلي.

ومنذ لحظة الانطلاق بدأت تتكشف اندفاعات بعض المثقفين، وبدأ الغربال يعمل بشكل تلقائي.

في القاهرة أبدى بعض الأعضاء رغبتهم في البقاء في الظل خوفاً على ذويهم في الداخل، أو رغبة منهم عن العمل. فهل كانت مساهماتهم في التأسيس نابعة من حس ثوري؟ أم أن حساباتهم المغلوطة حول قرب سقوط النظام أوقعتهم بشيء من التسرع؟ أم كان ذلك مجرد اقتناص للحظة تاريخية أرادوا تسجيل حضورهم فيها على سبيل اكتمال ألبوم الصور لديهم؟

عندما حان وقت العمل بقي من الأعضاء ما لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، وكان على هذه المجموعة أن تبدأ خطواتها الأولى كأي وليد حديث، لا بد أن يتعثر ويقع قبل أن تقوى ساقاه على حمله، خاصة أنه يرفض أي دعم مشروط، وفي هذه اللحظة بالذات يكون الوليد بأمس الحاجة لتكاتف الجهود من قبل إخوته الذين شاركوا لحظة الولادة، لكن ما حصل، وللأسف الشديد، أن انشغل كلٌ بوضعه، بنزوحه، بشتاته، بمزاجه، بآلامه الخاصة، بمشاريعه الخاصة، متناسياً ما عليهم من حق ثقافي – ثوري تجاه مؤسسة شارك في بنائها.

بعضهم نسي أنه عضو في الرابطة، وبعضهم لم يكلف نفسه عناء المتابعة ولو عن بعد، وبعضهم جلس خلف شاشته ينتظر، وإن صدف قيام الرابطة بفعل ما، ينبري صارخاً لمَ لمْ تخبروني؟ قلة قليلة جداً آلت على نفسها المتابعة والتضحية ببعض الجهد وتطوعت لإكمال بناء هذه الفكرة، فالأفكار تموت إن لم ترعها بعناية مناسبة.

عندما حان موعد انتخاب أمانة عامة جديدة بدأت هذه القلة القليلة المتطوعة بالعمل على ذلك ونشرت على موقعها البيان وخاطبت الكثيرين وطالبت الأعضاء بالترشح، لكن الذي حصل أن الذين ترشحوا لا يتجاوز عددهم نصف المطلوب، بينما في الأحوال الطبيعية من المفترض أن يتجاوز عددُ المرشحين العددَ المقرر لأعضاء الأمانة. ومع ذلك تم اعتبارهم أعضاء بالتزكية. التزم ثلاثة منهم بالعمل وغاب البقية.

مع وفاة رئيس الرابطة صادق جلال العظم وجدت الرابطة نفسها أمام استحقاق جديد، وآثرت أن يكون الرئيس الجديد منتخبا انتخاباً ديمقراطياً، رغم أن النظام الداخلي يخول المكتب التنفيذي تعيين رئيس جديد.

تمّ التحضير بجهود جبارة لا تعرفها إلا قلة قليلة في الرابطة، وتم إعلان الترشح على صفحة الرابطة في «فيسبوك» وعلى موقعها الأساسي في الشبكة العنكبوتية، أرادتها اللجنة الانتخابية أن تكون ديمقراطية وفتح باب الترشح لأسبوعين ثم مددت ثلاثة أيام، لكن أحداً من الكتاب لم يكترث ولم يتقدم سوى مرشح واحد.

هل نعيد اليوم تساؤلاتنا الأزلية: من هو المثقف؟ ما دوره؟ من هو الثوري؟ كانت هذه التساؤلات في زمن الترف الثقافي أو في إطار فرد العضلات الثقافية في أزمنة الأمن ولا أقول الأمان. اليوم وبعد ست سنوات من الدماء هل نعيد الأسئلة ذاتها، ونحن في الحالة ذاتها من الارتخاء الفكري؟ إذا كنت أيها المثقف الثوري لا تريد أن تتسخ بالعمل السياسي، ولا أن تضع نفسك في شبهة المال المشروط، فلماذا تبتعد عن العمل ضمن ما يتواءم مع شروطك الموضوعية، في مؤسسة أنت من بين من سعوا إلى تكوينها لتكون أول مؤسسة مدنية ديمقراطية في سوريا؟

إن حدث وعانت هذه المؤسسة من عثرات وأخطاء البدايات، فلماذا لم تبادر إلى تصحيح هذه الأخطاء؟ أم أنك تحسب أن (بوستاً) على صفحتك الخاصة في «فيسبوك» يكفي، وربما كلفت خاطرك كثيراً وكتبت مقالاً تنشره على موقع إلكتروني تطلق من خلاله أحكامك القطعية؟

قد تكون رابطة الكتاب السوريين بوضعها الراهن شيئاً لا قيمة له، وفي أحسن حالاته تكون شيئاً ذا قيمة ضئيلة، لكن هل فكر نقادها ماذا يعني موت الرابطة؟ ماذا يعني للنظام الديكتاتوري موت أول مؤسسة مدنية ديمقراطية منبثقة عن الثورة؟

لقد اعتاد السوري خلال العقود الأخيرة العمل الفردي وتميز فيه، لكن أن يعمل ضمن فريق فهذا أمر ما يزال على درجة عالية من الصعوبة، لقد صنع هذا النسق الثقافي فرداً، لذلك سيجد هذا الفرد أنه من الصعوبة بمكان أن يصهر ذاته في مجموعة لأجل نجاح عمل لأنه يريد النجاح لذاته، من هذا المنطلق يسعى الأذكى إلى التفرد وهذا شرط لا يتحقق إلا بوجود مجموعة من الأفراد من أصحاب الظهور المعتادة على الانحناء، والتي تجيد وضع فرد على الأكتاف والتهليل له.

إن كان ثمة كلمة قالتها الدماء قبل أن تسقي أرض سوريا فبكل تأكيد هي كلمة الحرية والكرامة. لقد أغلقت الدماء أبواب الاستبداد لأجل البناء وليس التهديم. هذا ما أعتقده على الأقل وعلى المثقف الثوري الحقيقي أن يسارع خطوه على هذا الطريق، وليس الادعاء من خلف شاشته الصغيرة بامتلاك الحقيقة. وبدلاً من التعريض والهدم والسخرية كان الأولى ببعض مثقفينا أن يكونوا بناة ثوريين.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى