بعد أن أعلنها صراحة الرئيس التركي إردوغان «أوباما خدعنا» في تصريحات تلفزيونية أدلى بها، يبدو أن تركيا مازالت متحفظة تجاه أي وعود أمريكية ولا يبدو أن الحكومة التركية ستندفع وراء تصريحات ساكن البيت الأبيض الجديد ترامب، ولن تدفعها حماسة «التوماهوك» الأمريكي الذي استهدف مطار الشعيرات،لاتخاذ مواقف صارمة تجاه روسيا التي خذلتها في «عفرين» وخذلتها مرة أخرى في عدم التزامها بما تم التوافق عليه في الآستانة. وثالثة لعدم احترام وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه وتوقيعه في أنقرة.
وهي تسير بخطى حذرة تنتظر أفعالا إيجابية وليس خطبا إعلامية يتم في الخفاء والعلن التخلي او الالتفاف عليها، تستمع بآذان منفتحة وترقب بعينين واسعتين التراشق بالكلمات بين الإدارة الأمريكية وتنظيم ملالي إيران الذين يخوضون حرباً قذرة لتثبيت أركان عرش تنظيم الأسد ولقمع ثورة الشعب السوري الذي تدعمه انقرة، وتتحمل عبء أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري فوق أراضيها، شردتهم أذرع إيران في سوريا وسياستها العدائية.
لا نعتقد حتى الآن أن تتطور العلاقة بوتيرة أسرع بين تركيا والإدارة الأمريكية الجديدة التي قام رئيسها دونالد ترامب مذ أيام قليلة بالاتصال بالرئيس التركي إردوغان وهو اتصال بروتوكولي يجريها عادة الرؤساء في ظروف متشابهة.
لا زلت هناك فجوة كبيرة عالقة بين الأمريكيين والأتراك، وتحتاج لعوامل بناء الثقة بين الطرفين.
موضوع استقبال وإقامة المعارض التركي فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بتدبير الانقلاب الفاشل وتتهمه بإدارة التنظيم البديل بهدف تقويض الحكم في تركيا، الأمر الذي لم يحل حتى الآن برغم عزم تركيا وإلحاحها في ضرورة تسليم الرجل للقضاء التركي وعلى الرغم من مطالب تركيا الملحة المدعومة بالأدلة.
الأمر الآخر وهو اندفاع أمريكا في دعم تنظيم سوريا الديمقراطية الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، المصنف على قوائم الإرهاب والذي ارتكب العديد من الانتهاكات في تركيا وفي سوريا بحق القرى العربية، ويقود عملية تمرد مسلح ضد حكومة انقرة، وعلى الرغم من مناشدات الحكومة التركية للإدارة السابقة «أوباما» لضرورة عزل هذا التنظيم، مع أن تركيا عرضت بدائل منها إعلانها الاستعداد لإرسال جنود أتراك بالتعاون مع الجيش السوري الحر، من أجل تحرير مدينة الرقة وبقية المناطق من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الإدارة السابقة لم تستجب للمطالب التركية، ومع بداية تسلم ترامب الحكم رسميا سمح بتسليم دفعات سلاح ثقيل لتنظيم سوريا الديمقراطي «الكردي» كانت قد اقرتها الإدارة السابقة، وكان أن تواطأت أمريكا وروسيا على محاصرة جيش درع الفرات الذي تدعمه تركيا بهدف الوصول لمدينة منبج السورية، ونشرت أمريكا دبابات في المنطقة كما فعلت روسيا في مدينة اعزاز غرب حلب، الأمر الذي تسبب في الإعلان عن توقف معركة درع الفرات من قبل تركيا مرغمة بالتوافق الأمريكي الروسي ضد المصالح التركية.
اليوم وفي ظل توجه اقليم كردستان العراق نحو استفتاء للانفصال عن العراق، تعلن الخارجية الأمريكية موافقتها على بيع سلاح لـ «البشمركة الكردية» الامر الذي يقوي موقفها العسكري وهي الداعم للانفصال عن العراق وهذا يشكل خطراً وتهديدا للأمن القومي التركي والسوري والإيراني، لأن الكرد يهدفون لتشكيل دولة تضم أجزاء واسعة من تركيا وسوريا، وهذا أيضا لا يصب في عامل بناء الثقة بل يثير حفيظة الأتراك ويشعرهم أن أمريكا غير جادة أو صادقة بتوجهاتها لتحجيم دور الميليشيات الكردية وفي موضوع عدم السماح بإقامة دولة كـردية مزعومـة.
صحيح أن الرئيس ترامب قال أثناء حملته الانتخابية أنه معجب بتركيا وان ابنته ومستشارته «افانكا ترامب» مغرمة بتركيا ونهضتها. لكن الحاصل على أرض الواقع أن ترامب مازال يسير على استراتيجية أوباما في دعم عصابات سوريا الديمقراطية على حساب الجيش السوري الحر وبالتالي على حساب تركيا، قد يكون ملفتاً للنظر مؤخرا أن طلب الإدارة الأمريكية «ترامب» إلى عصابات سوريا الديمقراطية تسليم بعض المناطق للجيش الحر، ربما لبناء الثقة مع الأتراك والجيش السوري الحر.
ولكن حتى الآن وبرغم اتصال الرئيس ترامب مع الرئيس التركي للتهنئة، ليس علينا أن نتسرع في التوقعات فالإدارة الأمريكية السابقة والبنتاغون اثبتا عدم مصداقيته تجاه حكومة العدالة والتنمية، وعلينا أن ننتظر اللقاء الذي سيجمع ترامب وإروغان في واشنطن قريباً.
وعلينا أن نتذكر أنه وبعد انهاء ترامب مكالمته الهاتفية «البروتوكولية» مع الرئيس إردوغان، قام الرئيس الروسي بوتين بإجراء مكالمة مع الرئيس التركي أكد فيها على متانة العلاقات الروسية التركية.
الأجواء غير مهيأة حتى الآن للحديث عن عمل مشترك بين تركيا وأمريكا قريب أو يلوح في الأجواء السورية.
وما زالت المياه الكثيرة التي جرت تحت جسر العلاقات التركية الأمريكية، لم تجفف بعد ولم تنس حكومة العدالة والتنمية موقف إدارة أمريكا السابقة تجاه الانقلابين الأتراك وبياناتها السلبية او المتناقضة، حتى أن إردوغان قال صراحة إن أوباما قام في خداعة.
كل نتيجة تلزم بالضرورة عن مقدماتها ومقدمات بناء الثقة لم تتفعل حتى الآن على الأقل في الموضوعين السابقين «تسليم فتح الله غولن – ميليشيا سوريا الديمقراطية» التي طلب الرئيس التركي إردوغان من نظيره الأمريكي ترامب ضرورة عزلها وربما ادراجها على قوائم الإرهاب.
علينا أن ننتظر ونراقب تطورات المشهد بانتظار نتائج لقاء ترامب – إردوغان في واشنطن.
والبعض يعتقد أن هناك من المؤشرات التي توحي او تشير إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التقارب الأمريكي التركي في ظل ما يشاع عن تدهور العلاقات الروسية الأمريكية، وعلى الإدارة التركية أن تستثمر في هذا الخلاف الأمريكي الروسي إن صح.
وبالمقام نفسه عليها أن توسع من قاعدة تحالفاتها العربي خاصة مع المملكة العربية السعودية بشرط أن يكون تحالفا استراتيجيا وليس تحالفا آنيا فقط اقتضته ضرورة المرحلة.
ونحن كسـوريين علينـا أن ندعم التحـالف التركي «الخلـيجـي» لأنه سـيصـب في مصـلحـة انـتصـار الثورة السورية آخذين بعين الحسبان الخلافـات العمـيقة بين دول الخليج العربي وإيران من جهة، وما قاله الرئيس إردوغان حول اتباع إيران سياسة فـارسية «مؤلمة» لـتركيا، وهذه الأطراف لو اتحدت في مباينها وتوافقت اســتراتيجـيـتها ستكون الثورة السورية التي يحاربها تنظيم ملالي إيران واذرعه في سوريا، هي الكاسب في النهـاية.
المصدر : القدس العربي