المفاجئ في تصريحات ستيوارت جونز مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، ليس كشفه محرقة في سجن صيدنايا، يقوم النظام الأسدي الكيماوي بحرق جثث القتلى تحت التعذيب الوحشي كي يمحي أثرهم من الوجود، فإن فضائح المخابرات والجلادين في السجون والأقبية المخابراتية المعتمة في سوريا لم تعد تخفى على أحد.
فبالوثائق والأدلة باتت المنظمات الدولية تمتلك ملفات كاملة عن جرائم ضد الانسانية يرتكبها نظام الأسد، من ملف قيصر الذي يحوي على عشرات الالاف من صور القتلى تحت التعذيب، إلى تقرير منظمة العفو الدولية عن شنق ما لا يقل عن ثلاثة عشر ألف معتقل بعد التعذيب في هذا السجن الرهيب، والأدلة الدامغة والاثباتات بارتكابه جرائم حرب باستخدام الأسلحة الكيماوية.. لكن اللافت في المسألة عدة مؤشرات تواترت في الفترة الأخيرة صادرة عن الإدارة الأمريكية وإسرائيل، ودول أوروبية، ومعطيات جديدة في الشرق الأوسط، تؤكد توجهات جديدة في إدارة الأزمة السورية لدى واشنطن وتل أبيب، وتغيرات جوهرية منتظرة على المدى المنظور.
ـ المؤشر الأول، أن وزير البناء والاسكان الاسرائيلي يوآف جلنت صرح بأنه آن الأوان لاغتيال بشار الأسد والتخلص من ذيل الأفعى ـ ويقصد أنه ذيل ايران، ثم التخلص من رأسها أي إيران، وأن ما يفعله بشار الأسد في سجن صيدنايا لم يسمع العالم بمثله منذ سبعين عاما، مشيرا بذلك إلى المحرقة النازية في اوشفيتز، وهذا التذكير بالجريمة النازية الكبيرة في الحرب العالمية الثانية له دلالة نفسية كبيرة في المجتمع الدولي.
ـ المؤشر الثاني، تواتر التصريحات الامريكية حول انتهاكات النظام الأسدي في سورية، إلى ضرب مطار الشعيرات، وتصويت مجلس النواب على قانون سيزر (أقر الكونغرس الامريكي بالاجماع قانون حماية المدنيين في سوريا، الذي يضمن معاقبة داعمي النظام السوري، ويهدف الى إيقاف المذابح في سورية) ووصف بشار الاسد بالحيوان من قبل الرئيس ترامب، ثم الكشف عن محرقة صيدنايا، وهذا ما لم نعهده في إدارة الرئيس السابق اوباما، ما ينم عن التحول الجذري في السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري.
ـ المؤشر الثالث، استماتة الروس والايرانيين في دعم النظام بشتى الوسائل، خاصة في ما يسمى بمحادثات أستانة، التي دعيت إليها إيران كضامن ثالث لمناطق «تخفيض التوتر» في سورية، الى جانب تركيا وروسيا ـ منذ هذا الاتفاق لم تتوقف عمليات القصف الروسية الاسدية وهجوم الميليشيات الشيعية على مناطق المعارضة ـ ففي قراءة متأنية يمكننا القول إن إدارة ترامب ترغب في توصيل رسالة إلى موسكو، بأن عليها التخلص من حليفها في دمشق، وعودة ميليشيات طهران إلى قواعدها في ايران والعراق، والدخول في مفاوضات سياسية جدية، لانتقال السلطة بعد القضاء على «داعش» واخواته. في حين ان موسكو تصر على إظهار نظام الأسد بأنه مازال شرعيا بجلوسه إلى طاولة المفاوضات، ودعمه في استعادة مناطق كانت بحوزة المعارضة تحت القصف الوحشي المتواصل لهذه المناطق، خاصة في محيط دمشق. ويبدو أيضا أن إسرائيل، لم تعد ترى بشار قادرا على الاستمرارية في ضماناته التي قدمها والده منذ بداية انقلابه العسكري في سبعينيات القرن الماضي، مقابل ضمان استمرارية حكمه وحكم وريثه، فالتصريحات بضرورة الخلاص منه بمثابة فك عقد تبادل الضمانات ـ خاصة أن الطائرات الاسرائيلية تصول وتجول في الأجواء السورية، وكأنها في عرض عسكري، ولا تتوانى عن قصف مستودعات اسلحة وذخائر في مطار دمشق الدولي ومناطق أخرى.
ـ المؤشر الرابع، أن عدة دول أوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أكدت أن نظام الأسد هو المسؤول عن هجمات خان شيخون الكيماوية، وبالتالي بالنسبة للمجتمع الدولي من الصعوبة إعادة تأهيل نظام يضرب شعبه بأسحلة كيماوية، إضافة إلى كل الملفات الثقيلة للانتهاكات التي قام بها منذ اندلاع الثورة السورية من قتل، ودمار، وتهجير، وترانسفير، وتغيير ديمغرافي، وتبقى محادثات جنيف المكوكية تراوح مكانها، بدون أي تقدم في أي ملف من الملفات الكفيلة بانتقال السلطة، في ظل تصعيد النظام والروس والايرانيين تغيير المعادلة العسكرية على الأرض، باستمرار القصف الهمجي لمناطق المعارضة رغم اتفاق «مناطق تخفيض التوتر».
ـ المؤشر الخامس، مناورات «الأسد المتأهب» في الأردن، والتوتر في العلاقات الأردنية السورية، والأردنية الايرانية، بعد أن كان الاردن يقف موقفا شبه محايد من الأزمة السورية.
ـ المؤشر السادس، الذي سيكون له أكبر الأثر في المنطقة الشرق أوسطية هو القمة الأمريكية العربية الاسلاميةـ التي لم تدع ايران، أو النظام السوري إليها ـ والتي ستبدأ معها حقبة جديدة من السياسة الأمريكية في المنطقة، وإعادة رسم خريطة التحالفات.
هذه المؤشرات مجتمعة لا تطمئن النظام السوري، وحليفيه الايراني والروسي، فقواعد اللعبة تغيرت مع الادارة الأمريكية الجديدة في شرق أوسط يتأهب لدخول مرحلة صعبة من صراع القوى في المنطقة برمتها، يستحيل معها بقاء نظام مرفوض دوليا، وبات عبئا ثقيلا حتى على حلفائه.
المصدر : القدس العربي