بعد أن واجه العلماءُ التكاليف شديدة الارتفاع التي تحتاجها عملية تطوير عقاقير جديدة، شرعوا في البحث عن طرق لإعادة توظيف العقاقير القديمة، حتى بعض تلك التي فشلت في التجارب الأولية.
عندما اختار طبيب شاب أن يقضي فترة قصيرة في مختبر جرانت تشرشل، المتخصص في علم الأدوية، كجزء من فترة تدريبه الطبي، طلب تولّي مهمة تُعَلِّمه أدوات المهنة بشكل سريع. يقول تشرشل: «وقتها، قلتُ لنفسي لديّ مشروع جيد له». كان ذلك في عام 2010، عندما كانت مجموعة تشرشل بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة تبحث عن طرق لعلاج الاضطراب ثنائي القطب، دون استخدام الليثيوم، وهو عقار يعمل عادةً بشكل جيد، لكن تصاحبه آثار جانبية. وطلب تشرشل من الطبيب جوستين توماس أن يفحص المجموعة المكونة من 450 مركّبًا ضمن المجموعة الإكلينيكية الخاصة بمعاهد الصحة الوطنية الأميركية (NIH)، وهي تشمل العقاقير التي اجتازت اختبارات السلامة في البشر، لكنها ـ ولأسباب مختلفة ـ لم تنجح أبدًا في الوصول إلى السوق. يقول تشرشل: «تلك المواد موضوعة هناك، ولا تحتاج كثيرًا من الجهد، ما يجعلك تعتقد أن كل ما عليك هو المحاولة فحسب».
وضع توماس بضع قطرات من كل مركّب في أطباق «بتري» مليئة بالبكتيريا المُهندَسة وراثيًّا لتصنيع الإنزيم البشري الذي يثبطه الليثيوم. وفي النهاية توصّل إلى نتيجة. فقد نجح مركّب، كان قد أُعِدّ في الأصل من أجل الأشخاص الذين يعانون من سكتة دماغية، في تثبيط إنتاج الإنزيم، مما يشير إلى أنه قد يمنح المرضى مزايا الليثيوم نفسها1. وبعد أن أظهرت التجارب على الفئران أن العقار المسمى «إبسيلين» Ebselen يمكنه اجتياز الحاجز الكيميائي الذي يحمي المخ ـ وهو ما يستطيع عدد قليل من المركّبات فقط القيام به ـ أجرى فريق تشرشل تجربة ضيقة النطاق؛ ووجدوا أن العقار يمكن استخدامه بأمان من قِبَل المتطوعين الأصحاء2.
وشكلت جامعة أكسفورد الآن فريقًا مع إحدى شركات الأدوية؛ لإجراء تجارب إكلينيكية لعقار إبسيلين على الاضطراب ثنائي القطب. ويستطيع الباحثون تخطّي تجارب المرحلة الأولى المتعلقة بالسلامة، إذ إن العقار كان قد اجتازها فعلًا، وبالتالي يتجهون مباشرة نحو المرحلة الثانية، التي تشمل اختبار فعالية العقار تجاه الاضطراب ثنائي القطب. ويدرك تشرشل تمامًا أن عقار إبسيلين قد يفشل في هذه التجربة، أو التجارب الأخرى الأكبر والأكثر صرامة، المطلوبة لاختبار ما إذا كان يعمل بشكل أفضل من الليثيوم، أم لا؛ إلا أنه فخور بالفعل بما حققه فريقه. يقول: «برغم أننا ـ كفريق أكاديمي ـ لا نتلقى تمويلًا من أي شركة، إلا أننا تمكنّا من الانتقال من مرحلة تحديد المركّب إلى مرحلة تجربته على البشر بميزانية محدودة جدًّا».
ومع مرور الوقت، تصبح مثل هذه القصص أكثر شيوعًا، إذ يتم أخذ عقاقير كانت قد أُعدّت لاضطراب ما، ويُعاد توظيفها؛ لمواجهة اضطراب آخر؛ وهي استراتيجية تكتسب أهمية متزايدة من جانب الباحثين في مجال الصناعة والأوساط الأكاديمية على حد سواء. وتكتسب هذه الجهود إلهامها من بعض قصص النجاح المماثلة القديمة؛ منها عقار «سيلدينافيل» مثلًا، الذي أُعدّ في عام 1989 لمعالجة الذبحة الصدرية، ويتم تسويقه الآن تحت اسم «الفياجرا» المستخدمة لعلاج عدم القدرة على الانتصاب. ومثال آخر على ذلك.. هو عقار أزيدوثيميدين، الذي فشل كعلاج كيميائي، لكنه ظهر في الثمانينات كعلاج لفيروس نقص المناعة البشرية.
وبشكل متزايد، تفسح مسألة الاكتشاف بالمصادفة ـ المسؤولة عن هذه الاكتشافات الأولية ـ المجال أمام البحث المنهجي عن المركبات المرشّحة. وبشكل جزئي، يُعَدّ ذلك نتاج التطورات التكنولوجية، بما يتضمنه ذلك من تحليلات للبيانات الكبيرة التي يمكنها الآن الكشف عن أوجه التشابه الجزيئي بين الأمراض؛ والنماذج الحسابية التي يمكنها توقُّع أيّ المركّبات قد يستفيد من أوجه التشابه هذه؛ وأنظمة الفحص عالية الإنتاجية، التي يمكنها أن تختبر بشكل سريع تأثير عديد من العقاقير على خطوط خلوية مختلفة، لكن الزخم الحقيقي بالنسبة إلى مجال صناعة الأدوية يتمثل في الناحية الاقتصادية للأمر. فحاليًّا، يستغرق وصول أي عقار إلى السوق ما بين 13 و15 سنة، بمتوسط تكلفة يتراوح بين 2 و3 مليارات دولار أمريكي، وهو مبلغ في تزايد، برغم أن عدد الأدوية الحاصلة على موافقة كل عام مقابل كل دولار ينفق على التطوير، إمّا ظَلَّ على حاله، أو تَرَاجَع خلال معظم العقد الماضي3(انظر: «قانون إيروم»). لذا.. فإن العقاقير الثلاثة آلاف تقريبًا ـ الحائزة على موافقة بلد واحد على الأقل ـ تشكِّل موردًا كبيرًا غير مستغَل، إذا أمكن استخدامها لعلاج حالات أخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى الآلاف التي تعثّرت في التجارب الإكلينيكية. ومن الممكن للكثير منها، مثل عقار إبسيلين، أن يتخطى تجارب المرحلة الأولى، وأن يُحْدِث تأثيرات جانبية أقل خطورة بكثير في مراحل لاحقة؛ منقِصًا بالتالي من تكاليف التطوير اللازم، مقارنةً بمركبات جديدة كلية. وتشير تقديرات إلى أن إعادة توظيف عقار ما تكلِّف نحو 300 مليون دولار في المتوسط، وتستغرق حوالي ست سنوات ونصف السنة. «أعتقد أن نسبة الأدوية التي يمكن – نظريًّا – إعادة توظيفها هي في الغالب حوالي %75»، حسب تقديرات برنارد ميونوس، وهو زميل أول في منظمة «فاستر كيورز» FasterCures، التي تدعو إلى تطوير الأدوية، ومقرها واشنطن العاصمة، وهي عضو في المجلس الاستشاري للمركز الوطني للنهوض بالعلوم العابرة «NCATS» في معاهد الصحة الوطنية.
ومن الناحية العملية، ربما كانت النسبة أصغر قليلًا، كما يُقر ميونوس. فما زال يتعين على العقاقير المُعَاد توظيفها اجتياز المرحلتين الثانية والثالثة من التجارب الإكلينيكية؛ للوصول إلى أهدافها الجديدة. وتستبعد تلك التجارب %68، و%40 على التوالي من كل مركّب يصل إلى تلك المراحل. وإلى جانب ذلك.. تواجه عقاقير عديدة حواجز اقتصادية، كأن تكون غير مغطاة ببراءة اختراع مثلًا، مما قد يثني شركات الأدوية عن المشاركة. «هل يمكن لبعض مشروعات إعادة التوظيف أن تنجح؟ بالتأكيد، لكن هل يمكن أن تحدث بشكل منهجي كنمط عمل مربح؟ هذا ما لا أعتقده»، حسب قول جون لاماتينا، وهو رئيس سابق للبحث والتطوير في شركة «فايزر» Pfizer، وشريك أول الآن في شركة أبحاث تكنولوجيا الرعاية الصحية «بيور تِك» PureTech في بوسطن بولاية ماساتشوستس.
على أي حال، ثمة ما يقرب من 30 مقالًا يُنشر حاليًّا في الدوريات العلمية كل شهر، ويدور حول حالات إعادة توظيف للعقاقير، وهي زيادة بستة أضعاف عن معدل ما نُشر في عام 2011. وتم إطلاق دورية متخصصة بهذا الشأن في العام الماضي، تحمل اسم Drug Repurposing, Rescue and Repositioning. كما يتم تأسيس ثلاث أو أربع شركات كل عام لإعادة توظيف العقاقير. وتشير تقديرات4 إلى أن عدد العقاقير المعاد توظيفها، والمدْرَجة في قائمة انتظار الحصول على موافقة الجهات التنظيمية آخِذ في الارتفاع، وقد يشكل حوالي %30 من إجمالي العقاقير المعتمَدة كل عام.
يقول أندرياس بيرسيدس، الرئيس التنفيذي لشركة «بيوفيستا» Biovista في شارلوتسفيل بفيرجينيا، وهي واحدة من حوالي 40 شركة متخصصة حاليًّا في إعادة توظيف العقاقير: «لقد تجاوزنا المرحلة التي كان يتعين علينا فيها أن نشرح للجميع الفكرة التي نتحدث عنها. لقد أصبح المجال معروفًا، ونُعتبر الآن تقليديًّا في المرحلة الثانية من مسارات الاتجاهات العلمية العامة، التي ينضم إليها الكثيرون؛ للّحاق بركب التوجه العام».
نقطة الانطلاق
وتُعَدّ الأدوية العمومية ـ غير مقتصرة الملكية ـ هي الهدف الأسهل لعمليات إعادة التوظيف؛ إذ أنها موجودة في السوق منذ سنوات، وأنماط السلامة الخاصة بها معروفة بشكل جيد، كما إنها منخفضة التكلفة، ويسهل الحصول عليها من أجل التجارب الإكلينيكية، نظرًا لانتهاء فترة حماية براءة الاختراع التي كانت تتمتع بها من قبل. وإذا كانت تتضمن صيغًا جديدة، أو تطبيقات في أنواع جديدة من الاضطرابات، فبالإمكان تغطيتها ببراءات اختراع، أو منحها حقوق التفرّد في السوق لثلاث سنوات من قِبَل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA». وهكذا، فإنها تبقى أهدافًا جذابة بالنسبة إلى الشركات.
تبدأ شركة «بيوفيستا» ـ على سبيل المثال ـ إجراء مسح أوتوماتيكي لكافة المعلومات المتاحة للعموم عن المركّبات العمومية، بدءًا من الأوراق العلمية وبراءات الاختراع، حتى قاعدة بيانات أيّ أحداث جانبية سلبية تقوم بتجميعها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. بعد ذلك.. تبتكر الشركة نوعًا من شبكة العمل الاجتماعية الخلوية، راسمة خرائط لجميع الارتباطات التي وجدتها بين العقاقير والمسارات الجزيئية والجينات، وغيرها من الكيانات ذات الصلة البيولوجية. ولذا.. يتجه التفكير نحو أنه كلما ازدادت الارتباطات المشتركة بين العقار والمرض؛ تَرَجَّح أن يكون مرشحًا جيدًا لعملية إعادة التوظيف. وبهذه الطريقة اكتشفت شركة «بيوفيستا» أن عقار «بيرليندول» Pirlindole ـ وهو عقار عام مضاد للاكتئاب، تم تطويره في روسيا، ويُستخدم هناك الآن ـ قد يكون علاجًا محتملًا لمرض التصلب المتعدّد. ففي النماذج الفأرية5، يبطئ العقار وتيرة تطور المرض، وهو الآن على وشك التقدم نحو دراسة لإثبات صحة هذه الفكرة في البشر. وقد حصلت الشركة على براءة اختراع جديدة للعقار، فضلًا عن علاج آخر مرشح لمرض التصلب المتعدد، وفي انتظار واحد آخر للصرع، وثلاثة للسرطان. وإلى جانب ذلك.. يُعَدّ ما يراه الأطباء في العيادات من مصادر المعرفة الأخرى. يقول موشيه روجوسنتزكي، الذي يرأس واحدًا من أوائل المراكز الأكاديمية لإعادة توظيف العقاقير، أنشئ خلال العام الماضي في جامعة آريئيل في إسرائيل: «كل عقار مضى عليه عدة سنوات في السوق له حوالي 20 استخدامًا غير ذلك المصدّق عليه، يبدأ الأطباء الممارسون ثلثيها، لكن يظل الأطباء الآخرون لا يعرفون شيئًا عنها، إذ يجد الأطباء الإكلينيكيون صعوبة في نشر نتائجهم».
لذا.. يقوم روجوسنتزكي وفريقه بإجراء تدقيق منهجي لهؤلاء الممارسين في إسرائيل، واثنتي عشرة دولة أخرى، ويحاولون إيجاد آلية عمل لكل تأثير موثّق، ويساعدون الأطباء للحصول على فترة حماية لبراءات الاختراع الخاصة بأعمالهم تلك، وجذب الأموال لمزيد من التجارب. كما يساعدون أيضًا مزيدًا من الناس للحصول على العقار، على أساس استعمالاته غير المصدق عليها. وكان من المقرر أن تبدأ المجموعة في شهر يوليو تجربة المرحلة الثانية لإعادة توظيف دواء عام للذبحة الصدرية، يُسمى «ديبيريدامول»؛ لعلاج مرض جفاف العين، أحد المضاعفات الشائعة التي تحدث لمن يقومون بعمليات زرع النخاع العظمي، وهم عرضة لإمكانية فقدان البصر، بسبب توقُّف أعينهم عن إنتاج الدموع.
فشلت، لكنها لم تُنْس
إضافة إلى ذلك.. تُعد القائمة الطويلة للعقاقير الفاشلة من الأهداف المفضلة الأخرى. وغالبيتها اجتازت تجارب المرحلة الأولى، لكنها لم تنجح في المرحلة الثانية، إذ لم يكن لها التأثير نفسه على البشر، مثلما كان على الحيوانات. «ولا زال لا يوجد الكثير من المركّبات التي تتمتع بفعالية حيوية وآمنة على البشر في الوقت نفسه. فبحق السماء، دعونا نحاول فعل شيء آخر بها»، كما يقول جريجوري بيتسكو، عالِم الأعصاب في كلية طب وايل كورنيل في مدينة نيويورك. تتمثل المشكلة في أنها ـ باستثناء تلك القديمة حقًّا، مثل عقار إبسيلين ـ عادةً ما تظل مُقْفَلًا عليها داخل أدراج الصناعة. يقول هيرمان ميوك، عالِم الكيمياء الحيوية، الذي أسس في عام 2000 شركة «إتش. إم. للاستشارات الدوائية» HM Pharma Consultancy في فيينا، والتي يعتمد مكسبها على البحث في المركبات الموقوفة: «أحيانًا تصدر الشركات بيانات رسمية عندما تتخلى عن مركّب ما، لكنها في معظم الأحيان لا تفعل ذلك. وهكذا نعمل على مراقبة عدد من المصادر، ونبحث عن العقاقير التي اختفت في هدوء، أو التجارب الإكلينيكية التي أُعلن عنها، لكن لم تُنشر أي نتائج عنها على الإطلاق». وعندما يشعرون أن هناك مجالًا لإعادة توظيفها؛ يتوجه ميوك وفريقه نحو مالك العقار المختفي؛ ويحاولون التوصل إلى اتفاق؛ لإجراء مزيد من الاختبارات وعمليات التطوير عليه، ويتشاركون أي أرباح تنتج عن ذلك. ويقومون أيضًا بإنشاء قاعدة بيانات لعقاقير كانت قد حصلت على الموافقة، لكنها لم تعد تُصَنَّع، وعقاقير كانت قد تم استبعادها أثناء عمليات التطوير. «إننا نطورها من أجل استخدامنا الخاص.. لكن إذا عثرنا على مستثمرين؛ فإننا حينها سنرغب في تحويلها إلى مورد عام».
في غياب مورد عام كهذا، عقد كل من مجلس البحوث الطبية في المملكة المتحدة «MRC»، والمركز الوطني للنهوض بالعلوم العابرة صفقات مع شركات الأدوية الكبرى، وأقنعاها باختيار بعض المركّبات المستبعدة، والكشف عما يكفي من المعلومات؛ لكي تتمكن المجموعات الأكاديمية من استنباط ما إذا كانت إعادة التوظيف ممكنة، أم لا. تقول كريستين كلوفيس، التي ترأس مهمة إعادة توظيف العقاقير في المركز الوطني للنهوض بالعلوم العابرة: «هناك الكثير من البحوث التي يمكن إجراؤها، لكنها لا تتم، لأن الأكاديميين ـ ببساطة ـ لا يعرفون ما تقوم به شركات الأدوية». وبرغم أن برنامج مجلس البحوث الطبية في المملكة المتحدة يهدف بشكل رسمي إلى مساعدة الباحثين على فهم بيولوجيا الأمراض، إلا أن كثيرًا من المجموعات التي يقوم المجلس بتمويلها ينتهي بها الأمر إلى القيام بأعمال إعادة توظيف مشوقة أيضًا. في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة مثلًا، تقوم الطبيبة العالمة جاكي سميث باختبار مركّب، كان قد طُوِّر في الأصل لعلاج الحموضة، لمعرفة ما إذا كان يمكنه مساعدة الأشخاص الذين يعانون من السعال المزمن، أم لا، إلا أن برنامج المركز الوطني للنهوض بالعلوم العابرة قد تلقَّى بعض الانتقادات. «من الجيد أن تكون هناك مجموعات بحثية قد تمكنت من الوصول إلى بعض العقاقير، لكن ذلك يؤدي إلى ترك الغالبية العظمى منا خارج السياق»، حسب قول بيتسكو. «ولا يوجد ما يبين أن المركّبات الموجودة في تلك القوائم هي الأكثر أهمية حقًّا». أنفق المركز الوطني للنهوض بالعلوم العابرة 12.7 مليون دولار على 9 مشروعات في عام 2013، تقدّم ثمانية منها لتجارب المرحلة الثانية. وهي تتضمن عقارًا سابقًا للصدفية، يتم اختباره حاليًّا كعلاج يساعد في الإقلاع عن التدخين، وأقراصًا لم تنجح في علاج السكري، تحصل على فرصة ثانية الآن كعلاج لإدمان الكحول، وعقار فشل في علاج السرطان يُعد الآن علاجًا محتملًا لمرض الزهايمر. وبعد عام من الآن ستنشر النتائج الأولى لهذه الدراسات، حسب قول كلوفيس، مشيرة إلى أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فسيتطور بعضها على الأقل لما هو أبعد من ذلك. وفي ذات الوقت، استثمر المركز الوطني للنهوض بالعلوم العابرة مليوني دولار في العام الماضي في جولة أخرى من المشروعات.
قلب الطاولة
يقول ميونوس إنه على المدى الطويل، يمكن لعملية إعادة توظيف العقاقير أن تعرقل نمط أعمال شركات الأدوية الكبيرة بالطريقة نفسها التي انقلبت بها الموسيقى الرقمية على شركات التسجيل العملاقة في التسعينات. وحسب رأيه، «عندما تؤدي الجهود الحالية إلى بدء ظهور فيض من الموافقات في السوق، ونرى شركات صغيرة عديدة تعمل على تطوير عقاقير مقابل بضع ملايين من الدولارات، فستكون هناك منافسة مثيرة مع الشركات التقليدية»، إلا أن هذا التفاؤل ليس سائدًا على المستوى العالمي، حسب قول تودور أوبريا، باحث نظم المعلومات الحيوية في جامعة نيو مكسيكو في البوكيرك «ليست كل مشروعات إعادة التوظيف التي تنجح على الورق ممكنة التطبيق». ويضرب أوبريا ـ الذي يراقب المجال، إلى جانب قيامه بأعمال إعادة التوظيف الخاصة به ـ مثلًا بالتأثيرات الجانبية التي قد تكون مقبولة في حالة مرض مهدٍّد للحياة لن تكون كذلك في حالة وجود مرض مزمن. إن نموذج العمل الأساسي لإعادة التوظيف ـ حيث تنخفض التكاليف نظرًا إلى أن اختبارات السلامة قد أُجريت بالفعل في السابق ـ يصلح فقط إذا بقيت الجرعة وطريقة التناول كما هي. وإذا كان المرض الجديد يتطلب جرعة أعلى بكثير، عندئذ يجب على العقار خوض تجارب المرحلة الأولى مجددًا. وفي النهاية، قد تكون تكاليف عملية التطوير مماثلة لتكاليف إنشاء مركّب جديد، على حد قول أوبريا.
ومن جانبه يتساءل لاماتينا عما إذا كانت الفرص متوفرة حقًّا بالقدر الذي يُظْهِره المؤيدون. فعندما تَختبِر الشركات مركبًا جديدًا، كما يقول، فإنها تُجْرِي مجموعة واسعة من الاختبارات على أهداف وأنماط خلوية متنوعة، لأنها تريد أن تضع توقعات لتأثيراته المحتملة. لذا.. إذا كان لعقار ما تأثيرات مثيرة بالفعل تتخطى التوقّعات، فسيكتشف علماء الصناعة ذلك بأنفسهم. «إنه لمن السذاجة بعض الشيء أن تعتقد أن الشركات ستتغاضى عن كل هذه الفرص من أجل المكسب التجاري»، كما يقول، ويتابع: «يتعلق الأمر بالأكاديميين عادة، الذين لا يعرفون ما يحدث في مجال الصناعة، والذين يعتقدون أن بوسعهم هم القيام بالأمر».
يجادل بيرسيدس بأن هناك شركات كثيرة شديدة التخصص بشكل يفوق استطاعتها الاستفادة من جميع فرص إعادة توظيف العقاقير المتوفرة لديها. فقد تملك تلك الشركات خبرة في مجال علم الأعصاب مثلًا، وقد تكون مخترِقة لتلك السوق، لكنها ليست كذلك في مجال علم الأورام؛ وقد تكون مسألةُ نقل عقار من مجال إلى آخر خارجَ نطاق استراتيجيتها. يقول بيرسيدس: «يستمر الأفراد مثلنا في الحصول على المكاسب التجارية، وذلك لأن الشركات الأكبر تقدِّر وجود شريك خارجي ينظر إلى عقاقيرها من زاوية مختلفة».
وفي النهاية، كما يقول أتول بوتي، المتخصص في المعلومات الحيوية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، تُعَدّ عملية إعادة توظيف العقاقير عملية مكمِّلة لمسألة اكتشاف مركّبات جديدة، أكثر من كونها بديلًا عنها، فـ«نحن بحاجة إلى مزيد من الاثنين.. فمن خلال الطب الحديث، تتحسن قدرتنا على إدراك أن كل مرض هو في الواقع مجموع خمسة أو عشرة أمراض مختلفة. وببساطة، لا يوجد ما يكفي من الشركات لتطوير أدوية جديدة تعالجها كلها».
المصدر : وكالات