تستعد وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لإطلاق مهمة جديدة للفضاء تتعلق بأخذ العينات من أحد الكويكبات، هذه المهمة ستقوم خلالها ناسا بالكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام. ولكن المساعدة في إعداد وتهيئة الإنسانية لاحتمالية التدمير الوشيك لكوكب الأرض، يبدو أنها ليست من بينها.
في الواقع، هناك فرصة للكويكب بينو، الذي يبلغ عرضه 500 متر، أن يضرب كوكب الأرض في وقتٍ متأخرٍ من القرن الثاني والعشرين. هذا الكويكب سيكون هو الهدف الخاص بالمركبة الفضائية «أوزيريس» التي تقوم «ناسا» بإعدادها حاليًا، والتي من المقرر أن يجري إطلاقها شهر سبتمبر (أيلول) 2016.
ولكن، أكد مسؤولو هذه المهمة، أن فرصة أن يضرب هذا الكويكب كوكب الأرض ضئيلة، والصخور الفضائية ليست كبيرة بما يكفي لتشكل خطرًا وجوديًّا على هذا الكوكب. وتأتي هذه التصريحات خلافًا لما ادعته بعض التقارير الإعلامية منذ أسبوع.
وقال الباحث الرئيسي في مشروع «أوزيريس ركس»، دانتي لاوريتا، الأستاذ في مختبر القمر والكواكب في جامعة أريزونا الأمريكية: «نحن لا نتحدث عن كويكب يمكن أن يدمر الأرض، فنحن لسنا قريبين حتى من هذا الحد».
عينات من الكويكب
وإذا سارت الأمور وفقًا للخطة، فإن مركبة «أوزيريس ركس» ذات الـ800 مليون دولار، ستنطلق على قمة صاروخ إطلاق الائتلاف أطلس الخامس، من محطة كيب كنافيرال في ولاية فلوريدا، في الثامن من سبتمبر (أيلول) القادم. اسم المركبة هو اختصار لكلمات (الأصول، التفسير الطيفي، تحديد الموارد، الأمن، استكشاف الطبقات) باللغة الإنجليزية.
وستقضي المركبة الفضائية قرابة عامين في مطاردة الكويكب بينو، ومن المتوقع أن تتقابل معه أخيرًا خلال شهر أغسطس (أب) 2018. مركبة «أوزيريس ركس» ستدرس الصخور الفضائية للكويكب من المدار لمدة عامين آخرين، قبل أن تستولي على 60 جرامًا من المواد السطحية في يوليو (تموز) 2020.
في عام 2023، هذه العينة الضخمة نسبيًّا ستتمكن من العودة إلى الأرض، حيث سيجري الباحثون في المختبرات حول العالم عمليات التحليل بعدة طرق لدراستها على الوجه الأكمل.
وقال لاوريتا، في تصريحات لموقع space.com المتخصص، إن فريق هذه المهمة مهتم كثيرًا بمعرفة الدور الذي قد تلعبه كويكبات مثل بينو، هذه الأجرام الصغيرة التي تتميز بأنها مظلمة وبدائية ومليئة على ما يبدو بالكربون. وأضاف أن دراسة بينو قد تشير إلى نظرية تتعلق بأن مثل هذه الأجرام هي التي ساعدت الحياة على إيجاد موطئ قدم لها على كوكب الأرض.
كويكب يسبب خطرًا
وتساءل: «هل هذه الأنواع من الأجرام يمكن أن تكون قد سلمت المواد العضوية والماء، على صورة من المعادن المائية مثل الطين، إلى سطح كوكبنا، وهو ما أدى إلى خلق البيئة الملائمة التي أدت إلى نشأة الحياة على الأرض». وأضاف أن هذه هي المهمة الرئيسية، التحقيق والبحث عن إجابة لهذا السؤال.
وقال لاوريتا إن هناك أهدافًا ثانوية أيضًا، بما في ذلك معرفة المزيد حول الموارد القيمة التي يمكن أن تأويها هذه الكويكبات الشبيهة بكويكب بينو. وبعد ذلك هناك زاوية تتعلق بالدفاع عن الأرض ضد الكويكبات، وهو الهدف الذي حصل على الكثير من الاهتمام في الأيام القليلة الماضية.
ويصنف كويكب بينو رسميًّا بأنه كويكب يحتمل أن يكون خطرًا. في الواقع، هناك فرصة تقدر بحوالي 0.037% (أو 1 لكل 2700) أنه سيضرب الأرض في الربع الأخير من القرن الثاني والعشرين، طبقًا لحسابات علماء وكالة ناسا.
وعلى وجه التحديد، فإن هذا الاحتمال يتعلق بأنه أثناء التحليق بجوار كوكب الأرض في 2135، فإن كويكب بينو سيتعرض لاختلال معين في مداره، سيجعله يغير من اتجاهه، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرسله في مسار تصادمي مع الأرض في وقتٍ لاحقٍ من هذا القرن.
وسيساعد «أوزيريس ركس» العلماء في تحديث فهمه لهذه الاحتمالات المخيفة، عن طريق تحسين فهمهم لمدار الكويكب بينو. وقال لاوريتا، إن هذا المدار، بالمناسبة، هو بالفعل الأكثر شهرة بين مدارات جميع الكويكبات، وذلك بفضل الملاحظات والمراقبة الواسعة منذ اكتشاف بينو في عام 1999.
وأضاف، إنّ «حالة عدم التأكد في حساباتنا سوف تتقلص، وهو ما سيمكننا من إعادة حساباتنا، ومعرفة فرص الاصطدام الفعلية بين الكويكب والأرض»، مُوضحًا: «نحن لا نعرف الاتجاه الذي سوف يذهب إليه. لأننا لا نعرف تحديدًا أيًّا من العوامل التي ستؤثر في مداره هي التي سيكون لها تأثير فعلي فيه، يمكن أن يرتفع المدار الخاص ببينو أو ينخفض، طبقًا لموضع العوامل هذه منه خلال اقترابه من كوكب الأرض».
تأثير ياركوفيسكي
وستمكن مركبة الفضاء «أوزيريس ركس» العلماء أيضًا من فهمٍ أفضل لما يسمى «تأثير ياركوفيسكي»، الذي يصف كيف يمكن لأشعة الشمس الممتصة، والتي تشع لمسافات كبيرة في صورة حرارة، أن تؤثر في مسار هذا الكويكب. هذه المعلومات ستؤدي إلى تحسين المعرفة، ليس فقط عن المكان الذي يتجه إليه بينو، ولكن معرفة من أين جاء أيضًا.
ولمزيدٍ من الفهم، فإن تأثير ياركوفيسكي هو قوة تؤثر في الأجسام التي تدور حول نفسها في الفضاء، هذه القوة تكون ناجمةً عن انبعاثاتٍ من الفوتونات الحرارية التي تحمل زخمًا حركيًّا. ولا يمكن لتأثير ياركوفيسكي أن يؤثر بشكل كبير في الأجسام المادية، لذلك فإنه لا يؤخذ في الاعتبار إلا عند دراسة الأجرام الفضائية الصغيرة نسبيًّا مثل الكويكبات الصغيرة، والنيازك التي يتراوح قطرها بين 10 سنتيمترات إلى 10 كيلومترات على الأكثر.
مكتشف هذه الظاهرة هو المهندس المدني الروسي إيفان ياركوفيسكي، الذي كان يلجأ إلى محاولة حل المسائل الفيزيائية خلال أوقات فراغه. في عام 1900، كان ياركوفيسكي يدون ملاحظاته، عندما لاحظ أن الحرارة التي يتعرض لها جسمٌ ما يدور حول نفسه في النهار تتسبب في نشوء قوةٍ معينة عليه. هذه القوة كانت ضئيلةً جدًّا، لكنها رغم ذلك قد تتسبب في تغيراتٍ كبيرةٍ على المدى البعيد بالنسبة للأجسام الصغيرة.
لنفترض الأسوأ
وماذا لو افترضنا أن هذا الاحتمال الضئيل للتصادم سيحدث بالفعل، فما الذي سنتوقعه بعد وقوعه؟ إن مثل هذا التصادم المحتمل بين كويكب بينو، والأرض من الممكن أن يدمر المنطقة المحلية للاصطدام، لكن الاصطدام لن يرقى لمحو الحضارة الإنسانية، أو التسبب في انقراض جماعي، وذلك طبقًا لما ذكره الخبراء.
ويقدر علماء الفلك أن الصخور الفضائية يجب أن تكون بقطر كيلومتر واحد على الأقل حتى يمكن لها أن تتسبب في كارثة عالمية. فعلى سبيل المثال، فإن الكويكب الذي يعتقد أنه قضى على الديناصورات، كان يبلغ قطره حوالي 10 كيلومترات تقريبًا.
وبفرض أن تلاقي كويكب بينو، وكوكب الأرض سيكون أمرًا لا مفر منه، وأننا بصدد اصطدام مباشر، فإن هذا لا يعني أن البشر لا يملكون الوقت والأدوات لتجنب هذا الاصطدام. يقول الباحثون إنه من الممكن أن يقوموا بعملية تغيير لمسار الكويكب، وحثه على تجنب الاصطدام باستخدام تقنيات الطيران، مثل مسبارات الصوادم الحركية، أو جرارات الجاذبية. وإذا ما فشلت مثل هذه الوسائل، فلا ننسى أنه يمكننا بالطبع اللجوء إلى الخيارات النووية.
علاء الدين السيد
المصدر : وكالات