زرع مجموعة من الباحثين شكلًا مصطنعًا داخل عقل فأر، وذلك باستخدام شعاع من الضوء، بهدف إعادة برمجة الخلايا الدماغية الخاصة به.
تمكن هؤلاء الباحثون من القيام بهذا الحدث العلمي المهم، باستخدام تقنية أعادت البصر والسمع للفئران المكفوفين، والذين يعانون من الصمم، وهي التقنية ذاتها التي جعلت الفئران العادية تصبح عدوانية، على غير العادة. واستخدم الباحثون هذه التقنية لتحفيز مجموعة معينة من الخلايا، في أدمغة هذه الفئران.
ويعتقد الباحثون أن عملية التحفيز قد خلقت صورة، أو ذاكرة ظاهرية لشيء ما كان مجهولًا تمامًا عند الفئران. وقارنوا ذلك بالروائي مارسيل بروست، الذي كتب عن كيفية أن رائحة قطعة الكيك التي نغمسها في الشاي، أثارت ذكريات طفولته.
وقال الدكتور لويس كاريو ريد، من جامعة كولومبيا، والمشارك في الدراسة، إنه يعتقد أن هذه الأساليب الخاصة بقراءة وكتابة النشاط في الدماغ الحي، سوف يكون لها تأثير كبير في علم الأعصاب والطب. ويعتزم الباحثون الآن الإعداد لدراسة سلوكية، في محاولة لإثبات أن الصورة، أيًّا كانت، قد زرعت في مخ الفأر بالفعل.
تفاصيل الدراسة
استخدم الباحثون أدوات «البصريات الوراثية» أو «optogenetic tools»، والتي سمحت لهم بفحص ودراسة ما يحدث في الدماغ، دون الحاجة لفتح جمجمة الفئران، وزرع الأقطاب الكهربائية بها، للوصول لهذه النتيجة نظريًّا. وقالوا إن الفأر كان قادرًا على اللعب على العجلة الدوارة، في الوقت الذي كانوا يدرسونه فيه، وكان عقله تحت مراقبة المجهر.
ووضع الباحثون بروتينات حساسة للضوء، داخل أحد أنواع الفيروسات، بهدف إيصالها إلى خلايا المخ المستهدفة. وبمجرد وصول هذه البروتينات إلى هدفها، استخدموا أشعة الليزر لتنشيط الخلايا، والتي قال الباحثون إن عملية تشغيلها كانت بسيطةً، مثلما تشغل التلفاز بجهاز التحكم عن بعد.
وقال البروفيسور رفائيل يوستي، عالم الأعصاب في جامعة كولومبيا، والمشارك أيضًا في هذه الدراسة، إن النتائج التي توصلوا إليها أظهرت أن الدماغ قد يكون أكثر ليونة ومرونة بكثير، مما كان العلماء يعتقدون في السابق. وأضاف: «اعتقدت دائمًا أن الدماغ هو عبارة عن معدات (hardware)، وليس برمجيات (software)»، وتابع: «ولكن بعد ذلك رأيت النتائج، وقلت: يا إلهي هذا الشيء (يقصد الدماغ) كله بلاستيكي». وقال أيضًا: «نحن نتعامل هنا مع كمبيوتر بلاستيكي مرن يتغير ويتعلم باستمرار».
[youtube height=”480″ width=”853″ align=”none”]https://www.youtube.com/watch?v=Nb07TLkJ3Ww[/youtube]
علم البصريات الوراثي
وينسب إلى علم البصريات الوراثي، الذي طُور على مدى السنوات العشر الماضية، فضل إعادة تفكير العلماء في الدماغ تفكيرًا ثوريًّا.
وقال يوستي: «إذا قلت لي قبل عام إنه يمكننا أن نحفز 20 خليةً عصبيةً في مخ الفأر، من بين 100 مليون خلية عصبية موجودة به، لنسبب تغييرًا في سلوكياتهم، لقلت إن هذا أمرٌ مستحيلٌ تمامًا». وأضاف: «هذا الأمر يشبه إعادة تشكيل ثلاث حبات فقط من الرمل على الشاطئ».
ويمثل علم البصريات الوراثي تقنية بيولوجية، تنطوي على استخدام الضوء، للسيطرة على الخلايا في الأنسجة الحية، وبشكل خاص الخلايا العصبية، التي يجري عليها العلماء تعديلًا وراثيًّا، لتكوين قنوات أيونية «قنوات في جدار الخلايا، تسمح بمرور أنواع معينة من الأيونات داخل وخارج الخلية»، حساسة للضوء.
يمثل هذا العلم طريقةً لتعديل العمليات العصبية، المستخدمة في علم الأعصاب، والتي تستخدم مزيجًا من التقنيات من علوم البصريات وعلم الوراثة، لمراقبة ورصد أنشطة الخلايا العصبية الفردية، في الأنسجة الحية، حتى في داخل الكائنات الحية التي تتحرك بحرية، ولقياس آثار ذلك التلاعب في الوقت الحقيقي بدقة.
الكواشف الرئيسية المستخدمة في علم البصريات الوراثي، عبارة عن بروتينات حساسة للضوء. ويتم تحقيق السيطرة العصبية باستخدام مشغلات أو محركات، مثل «channelrhodopsin»، و«halorhodopsin»، و«archaerhodopsin»، في حين جرت عملية التسجيل البصري لأنشطة الخلايا العصبية، بمساعدة أجهزة استشعار تسمى «أجهزة استشعار علم البصريات الوراثي للكالسيوم» أو «GcaMP»، وإطلاق المواد الكيميائية من الحويصلات العصبية «synaptopHluorin»، والناقل العصبي «GluSnFRs»، أو غشاء الجهد ««Arclightning.
وقد وضع الطرق الأولى لعملية التحكم، باستخدام علم البصريات الوراثي وتطبيقاته، العالمان بوريس زيملمان، وجيرو ميسنبوك، في مركز سلون كيترينج للسرطان بمدينة نيويورك، وديرك تراونر وريتشارد كريمر وإيهود إسحاقوف، من جامعة كاليفورنيا.
ويعرف علم البصريات الوراثي بتوفيره التصميم المكاني والزماني عالي الدقة، في التغييرات الخاصة بأنشطة أنواع معينة من الخلايا العصبية، للسيطرة على سلوك الشخص.
وفي عام 2010، اختِير علم البصريات الوراثي كـ«طريقة العام»، في جميع مجالات العلوم والهندسة، من قبل مجلة «نيتشر ميثودز Nature Methods» للبحوث المتعددة. وفي الوقت نفسه، سُلِط الضوء على علم البصريات الوراثي، في التقرير الخاص بأفضل أحداث العقد العلمية، في تقرير لمجلة بحوث العلوم الأكاديمية.
[youtube height=”480″ width=”853″ align=”none”]https://www.youtube.com/watch?v=hupHAPF1fHY[/youtube]
العقل المذهل
وما يزال العقل يصر على إدهاشنا بكل جديد، نحن نتحدث هنا عن عقل الفأر، فما بالنا بالعقل البشري الأكثر تعقيدًا، والأعلى قدرةً. حتى هذه اللحظة هناك عدد كبير من الأسرار، ما يزال يخفيها عقلنا عنا، عن كيفية عمله، على سبيل المثال فكرة هل يحدد عقلنا طبيعة سلوكياتنا وشخصيتنا؟
نعم يحدد المخ بعضًا من شخصيتنا، لكن السؤال الحقيقي: ما هو المقدار الذي يحدد به مخنا شخصيتنا؟ يتعلق هذا الأمر بنقاش وجدال قديم، يُسمى الطبيعة القديمة في مواجهة التنشئة أو التربية، وهي معضلة من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن نقيسها، فبعض العلماء، مثل ستيفن بينكر، يقول إننا جميعًا وُلدنا مع تأثيرات جينية وراثية، تبسط نفوذها وتأثيرها في طبيعة الناس النفسية.
هذه الفكرة تتعلق بنفي وإنكار العلماء فرضية «نظرية اللائحة البيضاء»، والتي تشير إلى أن العقل لا يوجد لديه صفات فطرية، وأن معظم، إن لم يكن كل، التفضيلات الفردية لدينا هي صفات مكتسبة اجتماعيًّا.
ويمكن أن تساعد دراسة التوائم الذين انفصلوا عند الولادة، على ترجيح أي من الفكرتين، ولكن بنسبة ضئيلة على ما يبدو، فمن الصعب معرفة أين تبدأ آثار الجينات وأين تنتهي، لا سيما وأنها إما أن تكون عُززت وإما أنها قُمعت، من قبل الخبرات الاجتماعية المكتسبة، والتي يحدث بسببها عملية تنشيط أو تثبيط، للجينات والصفات الوراثية وفقًا للظروف البيئية، متسببة في تعقيد هذه القضية أبعد من ذلك.
المصدر : وكالات