علوم وتكنولوجيا

العلماء يسعون إلى إعلان دخول العالم عصرًا جيولوجيًا جديدًا

من المتوقع أن تحدث خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما يطلق عليه عملية مطاردة أو تفتيش في جميع أنحاء العالم لما يسميه العلماء «خط الصخور الفاصل» أو line in the rock، والتي تظهر بداية حقبة جيولوجية جديدة تسبب فيها تأثير الإنسان غير العادي، وغير المسبوق على كوكب الأرض.

والمقصود بالفقرة السابقة أن العلماء يسعون إلى الإعلان أن الأرض بدأت تدخل في مرحلة جيولوجية جديدة، ففكرة أننا نعيش الآن في عصر «أنثروبوسين»، بدأت تطفو إلى السطح في السنوات الأخيرة.

العوامل المتسببة

ونتيجة للعديد من العوامل التي تعرضت لها الأرض، خلال العقود القليلة الماضية، مثل ارتفاع درجات الحرارة في العالم بمعدل درجة مئوية واحدة، خلال فترة تزيد قليلًا عن القرن، وحرق كميات هائلة من الوقود الأحفوري، وانقراض العديد من أنواع الحيوانات، والاستخدام واسع النطاق للأسمدة النيتروجينية، والطوفان العملاق من القمامة البلاستيكية التي تغزو الكوكب، بالإضافة إلى عدد من العوامل الأخرى، بدأ العلماء يفكرون بشكل جدي في أن هذه التغيرات التي تحدث ستظل واضحة وباقية في الصخور، لملايين السنوات التالية.

في وقت لاحق من شهر أغسطس (آب)، لعامنا الحالي 2016، شُكلت مجموعة عمل من خبراء متنوعين، للتحقيق فيما إذا كانت هذه التغيرات مهمة، ودلالتها من حيث إننا نحيا الآن في نهاية عصر أو حقبة «الهولوسين»، البالغة من العمر 11500 عام، ومن ثم تقديم نتائج التحقيق التي توصلت لها المجموعة إلى مؤتمر الجيولوجيا العالمي، في نسخته الـ 35 والتي تستضيفها جنوب إفريقيا.

وتخطط مجموعة العمل هذه بعد ذلك إلى البحث عما يعرف باسم «الارتفاع الذهبي»، وهي تمثل نقطة فيزيائية في السجل الجيولوجي، ويظهر فيها عملية التحول من حقبة إلى أخرى، ويمكن أن يدحض الوصول لهذه النقطة آراء المشككين في المجتمع العلمي الجيولوجي.

ومن شأن الوصول إلى هذه النتائج أن يدفع الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية للإعلان رسميًا، خلال عامين فقط، عن أننا انتهينا من حقبة أو عصر الهولوسين، وانتقلنا إلى عصر «الأنثروبوسين». وقال الدكتور «كولن ووترز»، سكرتير فريق عمل تحقيق عصر الأنثروبوسين، والذي سيخاطب اللجنة الحكومية الدولية، إن أهم شيء بالنسبة لهم هو رصد حجم التغيرات التي حدثت.

وأضاف في حديثه لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية «إنه مقياس مقارن، فنحن نقارن ما يحدث الآن وحجمه مع ما حدث خلال الانتقال من العصر الجليدي الأخير إلى عصر الهولوسين». ويوجد عامل رئيس في تحديد حدود العصور، والحقب المختلفة في التاريخ الجيولوجي للأرض، يتمثل في المناخ، مثلما تحركت الأرض في السابق من العصر الجليدي إلى الفترات الدافئة.

وقال الدكتور «واتسون»، وهو عالم جيولوجي في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، إنه في الماضي كان البشر لا يملكون أية طرق للتأثير في المناخ العالمي، وكانت كل التغيرات تحدث بسبب التذبذب الطبيعي للمناخ.

وأضاف «أما في القرن الماضي كان للإنسان تأثير كبير على المناخ بالفعل؛ مما جعلنا نأخذ الكوكب بعيدًا عن هذا التذبذب الطبيعي، وقمنا بتغيير الاتجاه العام لدرجات الحرارة في العالم، اتجاه كان من المفترض أن يكون عامًا باردًا، إلا أننا حولناه إلى اتجاه عام حار أو ساخن».

التفجيرات النووية

ويعد منتصف القرن العشرين هو الوقت الأكثر دقة لبداية حقبة «الأنثروبوسين» جزئيًا، بسبب عدد من المؤشرات المختلفة، التي من شأنها أن تكون مكتوبة في السجل الجيولوجي لكوكبنا.

في هذا الوقت كانت الجسيمات المشعة، الناجمة عن التفجيرات النووية، موجودة في الهواء الطلق، تفجيرات بدأت تحديدًا منذ عام 1945، وتسببت في نشر تلك الجسيمات في جميع أنحاء الكوكب، وينطبق الشيء نفسه على الدخان المتصاعد من حرق الوقود الأحفوري، والذي زاد بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية.

وبدأت آثار التخلص من النفايات البلاستيكية، والتي من المتوقع أن تستمر لآلاف السنين، وازدهار الطحالب الناجمة عن الأسمدة الكيميائية، والتخلص منها في الأنهار والبحيرات والبحار، تظهر بالفعل في الرواسب الجيولوجية للكوكب. هذه الرواسب هي التي ستكون الصخور المستقبلية، وهو ما يعني أن التأثيرات الحالية ستظل محفوظة في سجلات الكوكب الطبيعية، لملايين السنين القادمة. إضافة إلى ذلك نجد المبيدات الحشرية، التي بدأت هي الأخرى تترك بصمتها الكيميائية بوضوح.

وتسببت ظاهرة الاحتباس الحراري في ذوبان الأنهار الجليدية، مما أدى إلى نمو النباتات وخلق خط فاصل حاد في الرواسب، ورفع درجة الحرارة وتغير درجة حموضة المحيطات. ويعتقد العلماء أن بإمكانهم الوصول إلى نقطة «الارتفاع الذهبي»، في الشعاب المرجانية، التي عانت مع عملية ابيضاض واسعة النطاق، بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه. كما أن جزءً ليس بالقليل منها تعرض للتلف، من قبل شبكات السفن والتلوث.

متى يبدأ الأنثروبوسين؟

في ورقة بحثية نشرت في مجلة «ساينس» العلمية، في وقت سابق من هذا العام، قال الدكتور «ووترز» إنه وفريقه يقترحون فترة ما بين عامي 1945 -1964، لبداية عصر الأنثروبوسين. وقال أحد أعضاء مجموعة العمل الأولى، البروفيسور «يان سالازيويتش»، من جامعة ليستر البريطانية، إن أغلبية آراء فريق العمل تتفق على أن عصر الأنثروبوسين أصبح حقيقة.

ومع ذلك لا يزال هناك جدل حول متى بدأ هذا العصر تحديدًا، ويعتقد بعض الخبراء أنه من السابق لأوانه الإعلان رسميًا عن هذه الحقبة الجديدة. وأضاف «يان» قائلًا: إن شعور جميع الجيولوجيين سيكون أفضل، ومعظمهم سيكون أكثر راحة، إذا ما كان هناك نقطة «ارتفاع الذهبي»، نقطة مرجعية فيزيائية في طبقات الأرض.

وأضاف «سوف أقترح خلال المؤتمر المزمع عقده أن نبدأ عملية نظر في جميع أنحاء العالم، لمجموعة من الأقسام التي يمكن أن تكون رواسب في قيعان البحيرات، أو المستنقعات أو الأنهار الجليدية، حيث يمكن أن توجد هناك مجموعة من الإشارات التي توضح بداية الأنثروبوسين».

وقال: إنهم بعد ذلك سوف يختارون واحدة من هذه النقاط المرجعية؛ لاعتبارها النقطة المرجعية الرئيسة، التي تمثل بداية عصر الأنثروبوسين.

[youtube height=”480″ width=”853″ align=”none”]https://www.youtube.com/watch?v=SMo36PMXCR0[/youtube]

تغيرات حادة

يحذر علماء المناخ حاليًا، من أن تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، قد تكون أكثر خطورة مما كنا نظن في السابق. هؤلاء العلماء يحذرون بالفعل من وقوع «عاصفة قاتلة»، وارتفاع مستوى البحار والمحيطات إلى حدٍّ كبير، ما قد يؤدي إلى ذوبان كميات كبيرة جدًّا من الجليد في القطبين، خلال وقت أقل مما يعتقد العلماء.

وفي ورقة بحثية تم نشرها مؤخرًا، بعنوان «ذوبان الجليد، ارتفاع مستويات البحار والعواصف الكبرى»، جرت الإشارة إلى أنه، وبالوتيرة الحالية من حرق الوقود الأحفوري «النفط والغاز الطبيعي والفحم»، ومع استخدام الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بنفس المعدلات القائمة الآن، فإن البشر على موعد مع حدوث تغير مناخي حاد، قد يكون بمثابة نقطة اللاعودة للإنسانية جمعاء، على حد وصف البحث.

وفي تصريحاته لصحيفة الإندبندنت البريطانية، قال «جيمس هانسن»، عالم المناخ المتقاعد في وكالة ناسا، ومدير جامعة كولومبيا الأمريكية، وأحد المشاركين في وضع هذه الورقة المثيرة، إننا على وشك أن نمنح جيل الشباب الصاعد موقفًا حرجًا، خارجًا عن السيطرة، دون إمكانية أن يجدوا حلًّا له.

اقرأ أيضًا: «نبوءة» علمية: الاحتباس الحراري قد يتسبب في غرق العالم خلال نصف قرن

كما فاجأت الأرقام القياسية لدرجات الحرارة الشهرية، التي تعداها كوكب الأرض هذا العام، علماء المناخ حول العالم بصورة غير مسبوقة. هذا الأمر كشفه خبير بارز، قائلًا: إن العلماء لم يتوقعوا مثل هذه الزيادة في مستويات الاحتباس الحراري.

فخلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بلغ متوسط زيادة درجات حرارة كوكب الأرض 1.3 درجة مئوية، مقارنة بمتوسط درجات الحرارة في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية. وتعتبر هذه الدرجة متقدمةً جدًا، مقارنة مع طموح الاتفاق الذي وقع عليه زعماء العالم، في قمة المناخ التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، والتي تعلقت بإمكانية الحد من ارتفاع درجات الحرارة، إلى مستوى لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية.

والأمر المذهل الذي شهده العام الجاري 2016، هو أن كل شهر من شهوره عرف رقمًا قياسيًا جديدًا، في ارتفاع درجة الحرارة لهذا الشهر، مقارنةً بنفس الشهر في الأعوام السابقة، هذه الأرقام القياسية امتدت حتى الآن إلى أكثر من 14 شهرًا متتاليًا.

إضافة إلى ذلك فإن القطب الشمالي قد يكون في طريقه ليصبح خاليًا من الجليد البحري، خلال هذا العام، أو العام المقبل، للمرة الأولى منذ قرابة 100 ألف عام، هذا ما أعلن عنه أحد كبار علماء المناخ.

وتظهر بيانات الأقمار الصناعية المؤقتة، التي ينتجها المركز القومي الأمريكي لبيانات الثلج والجليد، وجود أكثر من 11.1 مليون كيلومتر مربع من الجليد البحري، في الأوّل من يونيو (حزيران) من هذا العام، مقارنة مع متوسط يقترب من 12.7 مليون كيلومتر مربع من الجليد، خلال الـ 30عامًا الماضية.

وقد يظن البعض أن الفرق بين القيمتين، أي أكثر من 1.5 مليون كم مربع، ليس بالرقم الكبير، لكن هذا الفرق يبلغ تقريبًا ستة أضعاف حجم المملكة المتحدة بكاملها. وقال البروفيسور «بيتر وادامس»، رئيس مجموعة فيزياء المحيط القطبي في جامعة كامبريدج، لصحيفة الإندبندنت البريطانية «إن أحدث الأرقام التي توصل إليها العلماء، تحمل إلى حد كبير صحة تنبؤات مثيرة للجدل، كان قد أعلنها قبل أربع سنوات».

وأضاف أنه لا يزال يتوقع أن جليد القطب الشمالي قد يختفي بشكل كبير، ليصبح لدينا مساحة تبلغ أقل من مليون كيلو متر مربع، بحلول شهر سبتمبر (أيلول) من هذا العام. وذكر أنه حتى لو لم يختفِ الجليد بشكل كامل، فمن المحتمل أن هذا الرقم سيكون رقمًا عالميًا منخفضًا غير مسبوق، وأضاف «أنا مقتنع أنه سيكون أقل من 3.4 مليون كيلومتر مربع، والأخير هو الرقم القياسي الحالي.

المصدر : وكالات

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى