تُجرى عشرات الآلاف من عمليات زراعة الأعضاء، ويُضاف أضعاف هذا العدد إلى قائمة الانتظار كل عام. وبينما ينتظر المرضى بفارغ الصبر فرصة لإنقاذ حياتهم بإيجاد عضو مناسب. يختبر بعض من يحظى بهذه الفرصة، زراعة ما هو أكثر من العضو نفسه، وإنما زراعة سمات شخصية جديدة معها.
فربما كسب المريض حبًا جديدًا، أو صار متسلقًا للجبال، بعد أن كان يهاب المرتفعات، أو أصبح محبًا للطعام الصحي، بعد أن كان مدمنًا على الأطعمة السريعة. أما إن كان حظه سيئًا فربما أصبح قاتلًا متسلسلًا يسفك الدماء للمتعة، أو انتحاريًا، أو يصاب بالسرطان الذي أصيب به المتبرع، ففي الحقيقة لا يمكنه أن يحذر ما قد يحصل عليه.
من مهذب إلى بذيء اللسان
كان «سيمون كوبر» فتى مهذبًا في السادسة عشرة من عمره، عندما أجريت له زراعة كبد؛ لإصابته بـ«التليف الكيسي» عام1999 ، إلا أنه بعد إجرائه العملية صار كثير السباب؛ مما أثار دهشة والدته التي غرست فيه الصفات الحميدة، واعتبرت أن الأمر يرجع لمسكنات الألم.
إلا أن سيمون الذي يعمل عازف طبول لا يستطيع التحكم في لسانه البذيء، بالرغم من مرور كل هذه السنوات على زراعة الكبد، وهو ما تعزوه والدته أنه بسبب العملية.
جدير بالذكر أن كوبر أجرى جراحة أخرى لزراعة رئة في عام 2012، وأصيب بسرطان الرئة بعدها، وتزوج مؤخرًا في يونيو (حزيران) الماضي.
حساسية جديدة لبعض الأطعمة بعد زراعة نخاع عظم
نشرت مؤخرًا مجلة «الأكاديمية الأوروبية للأمراض الجلدية والتناسلية»، دراسة حول أول حالة موثقة لانتقال الحساسية من متبرع لمتلقي.
وبعد أن خضع مريض يبلغ من العمر 46 عامًا لعملية زرع نخاع العظم، تعرض لأزمة حساسية من فاكهة الكيوي، وهي الحساسية ذاتها التي تعاني منها أخت المتلقي التي تبرعت له، إلا أن الحساسية تنشأ عندما يهاجم الجهاز المناعي بعض الجزئيات غير الضارة باعتبارها خطرة.
وتفسر الدراسة الأمر بأن لخلايا الدم علاقة بجهاز المناعة، ونظرًا لأن خلايا الدم تُصنع بواسطة نخاع العظم، لذا يمكن لبعض أمراض الحساسية أن تنتقل.
ومع أن حالات انتقال الحساسية أمر نادر؛ لكن الأمر يتعدى إلى زراعة الأعضاء الأخرى، وخاصة القلب.
بعد تلقيه قلبُا جديدًا.. يتحول إلى قاتل متسلسل
يجري العديد حول العالم عمليات لزراعة القلب. وما يبدو أنه وسيلة لإنقاذ حياة المتبرع؛ إلا أن العديد من الحالات المُوثقة تكشف أنه ليس القلب فقط ما يتم زراعته، وإنما بعض من الذكريات والميول كذلك.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وُجهت اتهامات إلى «مايكل رودريجيز» البالغ من العمر 54 عامًا، بقتل 23 امرأة وأربعة رجال، على مدار سنتين.
قال الرجل للشرطة، إنه كان يسمع أصواتًا في دماغه تأمره بالقتل، وهذه الأصوات قد تصبح غير محتملة في بعض الأحيان، فلا تزول إلا بقتله أحدهم. وهو ما علّقت عليه الشرطة، بأنه قد يعاني من بعض الأمراض العقلية، مثل عديد من القتلة المتسلسلين.
وقالت زوجته السابقة: إن السبب يعود للقلب الجديد، وإن جرائم القتل بدأت بعدما أجرى رودريجز عملية لزراعة القلب؛ فتغيرت طباعه من بعدها بشكل كامل.
ونظرًا لأن المتبرع لا يعرف شيئًا عن طبيعة المتلقي، أو أي من المعلومات عنه وفقًا للقانون، إلا أن هذه المعلومات تبقى متاحة للجهات الطبية فقط، وبالرجوع إليها اكتُشف أن رودريجز تلقى قلبًا جديدًا يعود لقاتل متسلسل.
لم تكن تلك الحالة الوحيدة لتغير الشخصية، فإحدى الحالات الشهيرة، تعود لامرأة تدعى كلير سيلفيا، التي روت قصتها في كتابها «A Change of Heart» فبعدما أجرت عملية زراعة قلب، من متبرع عمره 18 سنة توفي بحادث دراجة نارية، وجدت «سيلفيا» أنها بعد العملية صارت تشتهي البيرة وقطع الدجاج، كذلك كانت تحلم بشاب يدعى تيم.
لذلك قررت أن تبحث عن اسم المتبرع، وبمقابلة أهله، أخبروها أنه كان يحب الجعة وقطع الدجاج، وأنّه كان يدعى تيم.
الذكريات والميول تخزن في جميع خلايا الجسم
يفسر بعض العلماء والباحثون هذه الحالات بأنها تعود لظاهرة تُدعى «الذاكرة الخلوية»، حيث تُخزن الميول والأحاسيس والسلوكيات في الخلايا العصبية للعضو، ومن ثم تنتقل من المتبرع إلى المتلقي عند زراعة هذا العضو. لذا يعتبر القلب أكثر الأعضاء التي تحدث من خلالها هذه الظاهرة.
لكن كثيرًا من الأطباء، يقولون: إن القلب ما هو إلا مضخة، وأن ما عدا ذلك من ذكريات أو ميول يقع داخل الدماغ. وأن وجه التحكم الوحيد فقط، هو أن القلب المسؤول عن ضخ الدم إلى أجزاء الدماغ.
لكن هذا لا يفسر ما حدث لمتلقي قلب جديد، يدعى «سوني جراهام» (69 عامًا)، فبعد العملية قرر سوني أن يقتفي أثر أرملة المتبرع. وما إن عثر عليها؛ وقع في حبها على الفور، ثم تزوجها بعد ذلك. إلا أنه أطلق الرصاص على نفسه دون سابق إنذار؛ فقد كان سعيدًا في زواجه، ولم تبدُ عليه علامات التعاسة أو الاكتئاب. تزول الدهشة بعد اكتشاف أن المريض قد تلقى قلبًا من متبرع أطلق الرصاص على نفسه بنفس الطريقة.
جدل ما بين المؤيدين والمعترضين قد يغير وجه الطب للأبد
ومع أن هذه الظاهرة لم يُتحقق من صحتها العلمية بشكل كامل. لكنها تحظى بتأييد عدد من العلماء والأطباء.
كان أول من وصف هذه الظاهرة هو الدكتور جاري شوارتز، الأستاذ في علم النفس، والطب، وعلم الأعصاب والطب النفسي، والجراحة في جامعة أريزونا؛ بعد أن وثق 74 حالة، منها مريضة كانت تهاب المرتفعات،لكنها أصبحت متسلقة جبال؛ بعدما أجريت لها زراعة رئتي متسلق. أو فتاة في السابعة من عمرها، تراودها كوابيس بتعرضها للقتل، بعد تلقيها قلب طفل مقتول.
وزعم عدد من العلماء، أن الذكريات والسمات الشخصية، لا تخزنها أدمغتنا فقط، وإنما بجميع الجسم، ووفقًا لذلك فكل خلية من خلايا الجسم تحفظ هذه السمات بشكل واعٍ. وبالمثل، تصبح خلايا القلب والكبد وأي عضو آخر مخزنًا للذكريات ومحركًا للأحاسيس ودافعًا للميول والسلوكيات؛ وعند زراعة أي عضو تنتقل بعض من هذه السمات.
على الصعيد الآخر، بعد المرور بتجربة مهددة للحياة والخضوع للضغط الناجم عنها، تغدو إمكانية حدوث تغييرات جذرية في الشخصية والسلوك أمرًا غير مستبعد على الإطلاق.
كذلك تلعب الأدوية التي يتناولها المريض لتهيئته لعملية زراعة عضو ما دورًا كبيرًا في تغيير التصرفات، لكن هذه العوامل لا تفسر التغييرات المحددة للغاية التي تحدث في سلوكيات وميول المرضى.
ومن المثير للاهتمام أن الطب الحديث لا يستطيع أن يفسر كنه الآلية التي تُخزن بها الذكريات أو يتولد من خلالها الوعي، أو تحديد من أين تنشأ أو أين توجد داخل خلايا الجسم.
لذلك إذا ثبت علميًا صحة هذه الظاهرة؛ فستتغير الطريقة التي نفهم بها الطب تمامًا، وتحطم أحد أهم أركان علم الأحياء.