هل ينتابك الإرهاق ويدب في عموم جسدك ألم غامض؟ ربما تكون مصابا بداء الفيبروميالجيا، أحدث مرض شخصّه الطب البشري، وقد طُرح أول علاج طبي للمرض عام 2007 في الولايات المتحدة الأمريكية.
آلام فضيعة تدب في عموم جسدك، تستيقظ صباحا وكأنك لم تنم، وشدة الألم تجبرك على الانحناء. تعبتَ من مراجعة الأطباء، وأجريتَ أكثر من خمسة تحليلات عامة للدم، وأجريت صورا شعاعية ومقطعية وصورا بالرنين المغناطيسي لعظامك وأطرافك وظهرك، وكلفك كل ذلك أموالا باهضة وجهدا كبيرا عطّلك عن عملك، لكن أيّ مرض عضوي لم يظهر في كل هذه الفحوص. ومع ذلك فأنتَ تقضي ليلك مسهدا بسبب الألم والقلق مما تشعر به؟ هل هو مرض نقص المناعة المكتسبة أصابك لسبب مجهول لا تشعر به؟ أوصاف الضعف المرافق لنقص المناعة تشابه الأعراض التي تظهر عليك، لكن الأطباء يؤكدون لك أنك غير مصاب بنقص المناعة.
هذه الحيرة التي يشعر بها المصاب بهذا المرض، لا تختلف كثيرا عن حيرة الأطباء والمؤسسات البحثية المعنية بهذا المرض الغريب. أسباب المرض غير معروفة، لكن بعض الأطباء انتبهوا إلى ظهور الأعراض بعد نكسة صحية أو عملية جراحية أو التهاب شديد، أو بعد تعرض المصاب إلى ضغط نفسي حاد، وتتراكم الأعراض بمرور الوقت، وقد تجتمع كل هذه الأسباب لتؤدي إلى مرض “الفيبروميالجيا” أو ما يعرف أيضا بمرض “الألم العضلي الليفي”.
أعراض عضوية أم أوهام نفسية؟
نسب الإصابة التي سجلها الأطباء تؤكد أنّ المرض يصيب النساء بشكل خاص، لكن توجد وبنسبة أقل بكثير إصابات بين الرجال أيضا وفي مختلف الأعمار. تترافق هذه الأعراض في بعض الحالات مع الآم في المفاصل وصداع متناوب حاد، وأحيانا صداع صباحي، ونوبات من سوء الهضم والإنقباض المعوي، والكآبة والقلق.
بعض العلماء يعتقدون أنّ تكرار المحفزات العصبية باتجاه توكيد الألم في مناطق معينة من الجسد، قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات مركبات كيماوية بعينها في الدماغ، تبدأ في إظهار أعراض الألم، وهو عارض سوف يتكرر لأشهر ثم لسنوات حتى تمتلك مستشعرات الألم ذاكرة مرضية تحفز المريض للتألم بمجرد تذكره أنه مصاب بآلام غامضة، وهكذا سيعيش المريض دوامة الألم وذاكرة الألم التي لن تنتهي.
مرض لا طبيب له !
من أكبر مشكلات المصاب بمرض “الفيبروميالجيا” أنه لا يجد طبيبا متخصصا في علاج المرض، فأغلب الأطباء لم يسمعوا بالداء الجديد، ومن سمعوا به لم تمر بهم حالات ليعالجوها، ومن مرت بهم حالات لمصابين لم يجدوا لها علاجا. وهذا سيفاقم أزمة المريض، فهو يبدأ بزيارة طبيب الأسرة، ثم يحاول مع أطباء الأعصاب، ثم أطباء الروماتيزم، ثم أطباء العضلات ، فأطباء العظام، وأطباء أمراض الدم، لينتهي غالبا بالأدوية المسكنة للألم التي كان قد بدأ بها لوحده دون وصفة طبيب، وهو ما أكده موقع “ابوتيكن أومشاو” الألماني الطبي المتخصص” مشيرا إلى ضرورة إجراء فحوص دم متعددة كتلك التي تجرى في عيادات علاج الروماتيزم، ومبينا في الوقت نفسه أنّ فحوص الدم في الغالب لن تساعد الطبيب في تشخيص المرض، لكنها ستلغي احتمال حصول التباس في التشخيص.
لكن الأطباء في الولايات المتحدة التي يتراوح عدد المصابين بالمرض فيها من 4 إلى خمسة ملايين حالة تمكنوا من إيجاد علاقة بين المرض وبين علاجات بعض أدوية الأعصاب، لاسيما مضادات الكآبة. أشهر العلاجات التي جربت في علاج المرض هي ، دولوكسيتاين (Cymbalta)، ميلناسيبران ( ( Savella وفينلافاكسين (Effexor)، وأقراص الصرع وإزالة التشنجات بريغابالين (Lyrica) كانت أول علاج أقرته “إدارة الغذاء والدواء” الأمريكية لعلاج مرض “الفيبروميالجيا”.
لكن الأطباء يؤكدون على ضرورة عدم تناول أيًّ من هذه الأدوية دون إشراف الطبيب لأنّها تملك آثارا مخربة على الدماغ والجسد البشري إذا جرى تناولها بإفراط ودون رقابة، لاسيما أنّها معنية أصلا بعلاج أمراض عصبية ومنها الصرع، ويقصد منها تخفيف توتر الأعصاب ما يغير في معادلاتها الكيماوية ما لم تتم بإشراف طبيب مختص.
أحد المصابين بهذا المرض تحدث كاشفا أنّه تجنب استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب والمنومات الخفيفة ومنها “موديكيت” خشية من آثارها الجانبية الخطيرة، وفضّل الاعتماد على مسكنات الألم، فوجد أنّ أقراص” دياكلوفيناك” بوصفته التجارية التي لا تدفعها شركات التأمين هو الأفضل في العلاج، ولا يترك آثارا جانبية ضارة بالأعصاب، لكن طبيب الأسرة الذي يراجعه، أرفق مع هذا العلاج حبوب تنظيم الهضم وسوائل الجهاز الهضمي “بانتوبارازول” مؤكدا أنّ كل الحبوب المسكنة للألم تضر الجهاز الهضمي بدرجات متفاوتة. لكن عيب الأقراص المسكنة للألم أنّها تؤدي إلى الإدمان، ويصبح الاستغناء عنها مستحيلا، في المقابل فإنّ استخدامها لفترات طويلة يقلل من فعاليتها، ويصبح المريض مجبرا على رفع الجرعات ما يؤثر بشكل خطير على مناعة الجسم ويسبب أمراضا غير متوقعة.
وتنصح المواقع الطبية الألمانية بتطبيقات علاج اليوغا، والتدليك والاستحمام بالمياه الحارة والمياه المعدنية بشكل متكرر بما يساعد على تخفيف المرض، كما تنصح بالتقليل من العمل والابتعاد عن أسباب التوتر الدائم.