بالإضافة إلى استخدامها في العلوم الجنائية، فقد ساعدت البصمات كثيراً في فهم تطور الجسم البشري، ومن المنتظر أن يحدث الشيء نفسه على مستوى أكثر تعقيداً بكثير، حيث توصل الباحثون إلى طريقة لأخذ “بصمات” الدماغ.
ويُشتبه منذ فترة طويلة بأن الاتصالات الهيكلية في الدماغ تكون فريدة عند كل شخص على حدة، ولاختبار هذه النظرية، قام فريق من جامعة كارنيجي ميلون بدراسة التوصيلات الدماغية، باستخدام طريقة تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الانتشاري، وهي طريقة غير جارحة وتقدّم صوراً أكثر تفصيلاً مما كان ممكناً في السابق للاتصالات في الدماغ. وقام الفريق بقياس وتعيين خرائط الاتصال العصبية “connectomes” المحلية (أي الوصلات النقطية بين مسارات المادة البيضاء) عند 699 شخصاً باستخدام هذه التقنية ومن ثم قياس امتداد هذه الاتصالات لإنشاء البصمة الدماغية الخاصة بالفرد.
ولاختبار تفرّد هذه البصمات، قاموا بإجراء أكثر من 17 ألف اختبار تطابقي وكانوا قادرين على تحديد فيما إذا كان نموذج خريطة الاتصال العصبية “connectome” المحلية قد أتى من نفس الشخص أم لا بدقة 100% تقريباً.
أكثر من مجرد أمر لتحديد الهوية
وفي حين أن تكلفة هذه التقنية تمنعها من أن تكون إحدى أدوات الطب الشرعي في التعرف على الأشخاص، إلا أن لها الكثير من الاستخدامات المحتملة المهمة. حيث اكتشف فريق جامعة كارنيجي ميلون أن الاتصالات التي قاموا بتعيينها لم تعكس الطبيعة فحسب، وإنما التنشئة أيضاً، وهي تجارب الشخص التي تؤثر على بصمته الدماغية. فالشخص الذي يولد فقيراً أو يعاني من المرض تنعكس تجاربه تلك في الدماغ.
وباستخدام هذه التقنية لرسم الخرائط الدماغية، يمكننا أن نرى وندرس كيف أن كل تجربة تقوم بتشكيل الدماغ وتؤدي إلى اكتساب البصيرة ضمن المجال التكيّفي للدماغ، كما يمكننا أيضاً تطبيق ذلك على البيانات الموجودة، بحيث يمكن للباحثين استشفاف بعض الرؤى الجديدة غير المستكشفة سابقاً في الأدمغة، ويمكن استخدام هذه الدراسة يوماً ما لتحديد القابلية للمرض، حتى قبل ظهور الأعراض. وبالتالي يمكن الوقاية من الأمراض الفيزيولوجية بل وحتى النفسية، وبالاقتران مع التقدّم في قراءة الجينوم، يمكننا مكافحة الأمراض بفعالية قبل عقود من ظهورها.