توصلت دراسة حديثة إلى أن الأشخاص الذين يُمضون أوقاتاً طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي، يواجهون خطراً متزايداً للعزلة الاجتماعية، على الرغم من أن هذه المواقع قد صُممت أساساً لتعزيز التواصل بين الناس.
وللمفارقة، فقد وجد الباحثون بأن الأشخاص الأكثر استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي كانوا الأكثر عُرضةً للشعور بالعزلة الاجتماعية، وذلك بمقدار ضعفين مقارنة مع الأشخاص الأقل استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي.
يقول الدكتور بريان بريماك، مدير مركز جامعة بيتسبيرغ لأبحاث الإعلام والتكنولوجيا والصحة: “تُعد هذه النتائج بمثابة تذكير بأن وسائل التواصل الاجتماعي ليست علاجاً للأشخاص الذين يشعرون بالعزلة الاجتماعية”.
وبحسب بريماك، فإن هذه هي الدراسة الأولى من نوعها التي تتقصى العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والعزلة الاجتماعية عند مجموعة كبيرة من المشاركين من جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.
اشتملت الدراسة على حوالي 1800 شخص تراوحت أعمارهم بين 19 – 32 سنة. أكمل المشاركون استبياناً أُرسل إليهم عبر شبكة الإنترنت، استغرقت الإجابة عليه حوالي 20 دقيقة تقريباً. كان حوالي نصف المشاركين من الذكور ونصفهم الآخر من الإناث، ومعظمهم ينتمون إلى العرق الأبيض (58 في المائة)، ويُحقق أكثر من ثلث المشاركين دخلاً يفوق 75 ألف دولار في السنة. وقد منح الباحثون مبلغ 15 دولاراً لكل شخص أكمل الإجابة عن الاستبيان.
وجه الباحثون أسئلة حول شعور الشخص بالعزلة الاجتماعية، ومدى استخدامه لكل من مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تويتر، جوجل بلس، يوتيوب، لينكد إن، إنستغرام، بِن إنترست، تمبلر، فاين، سناب تشات، ريدت.
وجد الباحثون بأن الأشخاص الأكثر استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي، سواءً من حيث عدد مرات الدخول إليها أو الزمن الكلي الذي يمضونه عليها، كانوا أكثر عرضة للشعور بالعزلة عن الأشخاص الآخرين في مجتمعاتهم.
يقول بريماك: “عند مقارنة الأشخاص الأكثر استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي مع الأشخاص الأقل استخداماً لها، نجد بأن الفئة الأولى يزداد لديها خطر العزلة الاجتماعية بمعدل ثلاثة أضعاف عما هو عليه لدى الفئة الثانية”.
وجد الباحثون أن المشاركين كانوا يُمضون ساعة كاملة وسطياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الأشخاص الذين يمضون ساعتين يومياً كانوا أكثر عرضة للإصابة بالعزلة الاجتماعية بمعدل ضعفين بالمقارنة مع الأشخاص الذين يُمضون أقل من 30 دقيقة يومياً على هذه المواقع.
ويشير الباحثون إلى وجود بعض القصور في الدراسة، مثل أنها لم تكن مُصممة لإثبات علاقة سبب ونتيجة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والعزلة الاجتماعية، كما إنه من غير المعلوم أيهما المسؤول عن حدوث الآخر، هل العزلة الاجتماعية هي من تدفع الشخص للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يدفع الشخص إلى العزلة الاجتماعية والاكتفاء بالتواصل الالكتروني مع أصدقائه وأقربائه. كما إن الدراسة لم تشمل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 32 سنة، ما يعني احتمال وجود نتائج مختلفة عند أولئك الأشخاص.
كما يشير بريماك إلى أن الدراسة لم تفرق بين وسائل التواصل الاجتماعي وأخذتها ككلٍ واحد، فلا يمكن تمييز من خلال بيانات الدراسة تفريق الأشخاص الذين يمضون الساعات وهم يشاهدون منشورات أصدقائهم التي تحكي تفاصيل رحلات الإجازة، عن الأشخاص الذين يشاهدون أفلاماً وثائقية على اليوتيوب، أو يناقشون قضايا سياسية على تويتر.
ويختم بريماك بالقول: “لابد أننا بحاجة لإجراء المزيد من الدراسات لفهم طبيعة هذه العلاقة بشكل أكبر، ولكن الخلاصة السريعة التي يمكن الإشارة إليها هي أن وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تكون الحل الأمثل للعزلة الاجتماعية، وإن الحل يكون ببناء علاقات صداقة مباشرة مع الأشخاص المحيطين، وهو ما لا تستطيع العلاقات الإلكترونية أن تكون بديلاً عنه”.