أكدت دراسة علمية حديثة صحة المقولة “نصف العلم لا أعرف”، حيث وجدت بأن الأشخاص الذين يدعون معرفة كل شيء غالباً ما يكونون ضيّقي الأفق ويميلون لاتخاذ قرارات خاطئة. وفي المقابل، فإن “التواضع الفكري” والاعتراف بجهل بعض الأمور يُعد خصلةً ثمينةً جداً.
ومن النتائج المثيرة التي توصلت إليها الدراسة أيضاً أن مستويات التواضع الفكري متشابهة بين المجموعات الفكرية المختلفة، مثل الليبراليين والمحافظين، أو المتدينين وغير المتدينين.
يقول المعد الرئيسي للدراسة مارك ليري، أستاذ الطب النفسي والعلوم العصبية بجامعة ديوك الأمريكية: “هناك اعتقاد سائد بأن المحافظين والمُتدينين يتمتعون بدرجة أقل من التواضع الفكري فيما يخص أفكارهم وآرائهم، ولكن نتائج الدراسة جاءت مخالفة لذلك”.
وبحسب الباحثين، فإن التواضع الفكري هو المصطلح المعاكس للتعجرف الفكري. وفي اللغة الدارجة فإن التواضع الفكري يوازي التفكير بطريقة منفتحة أو openmind، ويعاكس التفكير المنغلق.
قام الباحثون بإجراء سلسلة من التجارب على التي تُركز على التواضع الفكري، والذي يعني إدراك الشخص بأن آراءه قد تكون خاطئة. ووجد الباحثون بأن التواضع الفكري، يزيد من قدرة الشخص على استيعاب الآخرين ومساعدتهم على اتخاذ قرارات صائبة.
فعلى سبيل المثال، طلب الباحثون في إحدى التجارب من المشاركين قراءة مقال يؤيد كاتبه التفكير الديني، ومقال آخر يعارض كاتبه التفكير الديني، ومن ثم طلبوا من المشاركين إبداء آراءهم حول هاتين المقالتين. فكان التعجرف الفكري يتجلى بالهجوم على شخص الكاتب وليس انتقاد المقال بحد ذاته، في حين أن التواضع الفكري تجلى من خلال عدم التهجم على شخص الكاتب، والاقتصار على مناقشة الأفكار الواردة في المقال.
وفي تجربة أخرى، كان الأشخاص المتواضعين فكرياً أكثر قدرةً على موازنة الأدلة التي يحملها نقاش جدلي حول منافع ومخاطر تنظيف الأسنان بالخيوط السنية، وفصل الحقائق عن الأمور غير المثبتة أو الخرافات.
يقول ليري: “بما أن التواضع الفكري ليس حكراً على مجموعة فكرية معينة، فمن الممكن أن يوفر حلاً للخروج من الآفاق السياسية المسدودة”.
ويُضيف ليري: “إن عدم الخشية من كونك مخطئاً هو قيمة عليا بحد ذاتها، وينبغي تشجيع الناس على تبنيها. وأعتقد بأنه لو تمتع جميع الناس بدرجة جيدة من التواضع الفكري لأصبحنا أكثر قبولاً لبعضنا الآخر، ووفرنا على أنفسنا عناء الكثير من المشاكل والخصومات السياسية والاجتماعية”
يقول ليري: “ذات الأمر ينطبق على الحياة الاجتماعية في المنزل أو العمل أو الأندية المختلفة. إذ إن المشاكل تأتي من أولئك الذين يعتقدون بأنهم على صواب وكل من حولهم على خطأ”.
ويؤكد ليري على أهمية التواضع الفكري خاصةً عند القادة وصُناع القرار، حيث إن الاستبداد بالرأي يورد المهالك، وإن قيادة الجماهير تتطلب قدرةً عاليةً على الاستماع للآخرين والإنصات لآرائهم وأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.
جرى نشر نتائج الدراسة في السابع عشر من شهر مارس الحالي في مجلة Personality and Social Psychology Bulletin.