وضع باحثون خطًّا لإنتاج الخلايا الجذعية الخالدة التي تسمح لهم بتوليد إمدادات غير محدودة من خلايا الدم الحمراء الاصطناعية عند الطلب.
وإذا اجتازت خلايا الدم الاصطناعية هذه التجارب الإكلينيكية، فإنها ستكون أكثر كفاءة للاستخدام الطبي من منتجات خلايا الدم الحمراء الحالية، التي يجب أن تنتج من دم المتبرعين، وستعد في هذه الحالة صفقة ضخمة للمرضى الذين يملكون أنواعًا نادرة من فئات الدم، والذين غالبًا ما يكونون في نضال مستمر من أجل إيجاد متبرعين مطابقين خصوصًا في حالات الطوارئ والجراحات الكبيرة.
التبرع بالدم والدم المتوالد
وحتى نكون أكثر دقة، فالفكرة هنا ليست أن تحل هذه الخلايا الجذعية الخالدة محل عمليات التبرع بالدم تمامًا، فعندما يتعلق الأمر بعمليات نقل الدم المنتظمة، لا يزال التبرع بالدم يقوم بالمطلوب كله الآن. لكن المشكلة الرئيسية تكمن في الكفاح المستمر لتوليد خلايا الدم الحمراء من الدم الخاص بالمتبرعين. في المملكة المتحدة وحدها – على سبيل المثال – هناك 1.5 مليون وحدة من الدم نحتاج إلى جمعها كل عام لتلبية احتياجات المرضى، وخاصة أولئك الذين يعانون من أنواع الدم النادرة من حالات مثل مرض الخلايا المنجلية، وهو واحد من أشهر أمراض الدم الوراثية الانحلالية التي تسبب تكسر كريات الدم الحمراء، ويعد أكثرها شيوعًا على مستوى العالم بشكل عام وفي دول حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط وإفريقيا والهند بشكل خاص.
تقول الباحثة الرئيسية جان فرين من جامعة بريستول في المملكة المتحدة إنه على الصعيد العالمي، هناك حاجة إلى منتج بديل من الخلايا الحمراء. وأضافت «خلايا الدم الحمراء المولدة في المعامل لها مزايا على الدم القادم من المتبرعين، مثل انخفاض خطر انتقال الأمراض المعدية».
في الماضي، حاول الباحثون تحويل الخلايا الجذعية المتبرع بها مباشرة إلى خلايا دم حمراء ناضجة، وعلى الرغم من أن هذه التقنية تعمل، لكنها لا تزال عملية غير فعالة بشكل لا يصدق. فكل خلية جذعية تكون فقط حوالي 50 ألفًا من خلايا الدم الحمراء قبل أن تموت، وعند هذه النقطة يحتاج الباحثون إلى التبرع بالدم من جديد.
أزمة الكمية
وفي حين أنك قد ترى أن رقم 50 ألفًا قد يبدو كبيرًا جدًا، إلا أنه عليك أن تضع في اعتبارك أن الكيس الواحد النموذجي من الدم المستخدم في المستشفيات يحتوي على حوالي تريليون من خلايا الدم الحمراء.
للتغلب على هذا، اتخذ فريق جامعة بريستول نهجًا مختلفًا؛ حولوا الخلايا الجذعية البالغة إلى أول خط في العالم لإنتاج الخلايا الجذعية الخالدة «إريثرويد»، وتشير كلمة «إريثرويد» هنا إلى العملية التي تنتج عبرها خلايا الدم الحمراء. وأطلق الباحثون على خط الإنتاج هذا «Bristol Erythroid Line Adult» أو خلايا «BEL-A».
ولإنشاء هذه الخلايا الخالدة، تمكن الباحثون بفاعلية من محاصرة الخلايا الجذعية البالغة في مرحلة مبكرة من النمو، مما يعني أنها يمكن أن تنقسم وتخلق خلايا الدم الحمراء إلى الأبد دون أن تموت، وهو الأمر الذي يعني تجنب الحاجة إلى التبرعات المتكررة، نتيجة موت الخلايا الجذعية القديمة.
وقالت فرين: «لقد اعتمدت المقاربات السابقة لإنتاج خلايا الدم الحمراء على مصادر مختلفة للخلايا الجذعية التي لا يمكنها إلا إنتاج كميات محدودة جدًا حاليًا». وأضافت في حديثها إلى بي بي سي «لقد أثبتنا طريقة مجدية لتصنيع خلايا حمراء بشكل مستدام للاستخدام الإكلينيكي، وتمكنا بالفعل من تحضير لتر كامل من الدم عبر هذه التقنية الجديدة».
الخلايا الجذعية الخالدة
إذا كانت الخلايا الجذعية الخالدة تبدو مألوفة لك، فهذا يعود إلى وجود خط مشهور آخر من الخلايا الجذعية الخالدة المستخدمة في المختبرات في جميع أنحاء العالم، والمعروفة باسم هيلا «HeLa»، والذي جرى أخذه من نسيج امرأة تدعى هنريتا لاكس دون علمها.
كانت لاكس امرأة أمريكية إفريقية تعاني من ورم سرطاني في عام 1951، ولم تكن تعرف أبدًا أن تلك الخلايا قد تحولت إلى خط خلية هيلا «HeLa» الخالدة الذي لعب دورًا حاسمًا في المعالم الرئيسية مثل تطعيم لقاح شلل الأطفال، ودراسات السرطان الرئيسية، ولا تزال تستخدم حتى اليوم.
ومن ناحية أخرى، جرى اختيار هذه الخلايا الجذعية الخالدة من نوع «BEL-A» من منتجات الدم المتبرع بها طوعًا بهدف وحيد هو توليد خلايا دم بشرية للبالغين. وإذا تمكنت منتجات خلايا الدم الحمراء من خوض التجارب الإكلينيكية والنجاح فيها، فإنها يمكن أن تتحول إلى تقنية ثورية مفيدة تمامًا كما كانت خلايا لاكس مفيدة للبشرية كلها.
يقول ديف أنستي، مدير المعهد الوطني للبحوث الصحية في وحدة أبحاث الدم وزرع الأعضاء في منتجات خلايا الدم الحمراء في المملكة المتحدة، «لقد عمل العلماء منذ سنوات على كيفية تصنيع خلايا الدم الحمراء لتقديم بديل للدم المتبرع به لعلاج المرضى»، وفقًا لما جاء في بيان صحفي.
وأضاف أن المرضى الذين يحتمل أن يستفيدوا أكثر من هذه التقنية الثورية هم أولئك الذين يعانون من ظروف معقدة يمكن أن تهدد حياتهم بالفعل مثل مرض الخلايا المنجلية والثلاسيميا، والتي يمكن أن تتطلب عمليات نقل متعددة ودائمة من الدم المتطابق بشكل جيد.
وأوضح أن الهدف من ذلك هو عدم استبدال التبرع بالدم ولكن تقديم علاج متخصص لمجموعات معينة من المرضى. مضيفًا «أول استخدام علاجي لمنتج خلية حمراء يجري تنميته في المختبرات من المرجح أن يكون للمرضى الذين يعانون من مجموعات الدم النادرة لأن تبرعات خلايا الدم الحمراء التقليدية المناسبة يمكن أن يكون من الصعب الوصول لمصدرها في أي وقت.
لا تزال خلايا الدم الحمراء الاصطناعية تحتاج إلى إجراء تجارب سريرية على البشر قبل أن نستطيع أن نقول على وجه اليقين إنها آمنة وفعالة. ولكن تجارب السلامة المبكرة على أساس أساليب التصنيع السابقة ستبدأ بنهاية هذا العام. وهو ما يعني وجود إمكانية أن نرى هذه التقنية منتشرة حول العالم خلال أعوام قليلة جدًا، ليبدأ عندها عدد كبير من المرضى في تنفس الصعداء وعدم الشعور بالقلق والخوف من عدم توافر فئاتهم النادرة من الدم بشكل متواصل مما يهدد حياتهم.