كتب مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام الإسلامية، لبيب النحاس، مؤخرا مقالين؛ أحدهما في صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية، والآخر في “الديلي تلغراف” البريطانية. وقد أثار المقالان لغطا كبيرا في صفوف المنتمين لتيار “السلفية الجهادية” تحديدا، باعتبار أنّه – بزعمهم – “انبطاح” و”تنازل” عن الثوابت الشرعية.
ويهدف المقال الأول، المنشور في صحيفة “الواشنطن بوست”، بشكل عام إلى إظهار فشل السياسة الأمريكية في التعامل مع الأزمة السورية، وسخافة مفهومها الذي “يجعل من الأسد جزءا من الحل في سوريا”، وحديث بأنّ نظام الأسد قد انتهى فعليّا ولم يعد له أمل في البقاء، ملوّحا بورقة “تنظيم الدولة” (داعش) الذي تحاربه أمريكا، وأنّه قد يكون بديلا عن نظام الأسد، إذا لم يكن هناك “خيار سنّي سوري يقوم فيه السوريون أنفسهم بتعريف “الاعتدال” وليس “السي آي ايه”.
أما المقال الثاني، المنشور في صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، فهو يهدف بشكل عام إلى إظهار فشل السياسة البريطانية التي امتنعت عن المشاركة في أي عمل عسكري ضد بشار، وقد وظّف المقال تنظيم داعش توظيفًا مشابهًا، ملوّحا به أمام الرأي العام البريطاني الذي يخشاه، موضّحا أن الحلّ الوحيد لمواجهة داعش هو أن يكون هناك “بديل سوري يحلّ محلّ النظام وداعش في نفس الوقت”. وأوضح المقال أنه يرفض ما أسماه “المعايير الغربية الليبرالية” في بناء النظام الجديد، وبأنّهم في سوريا بحاجة إلى “أن يكون هنالك دور أساسي ومحوري للدين في أي نظام سياسي يتولد عن النزاع الذي نعيشه اليوم”. ويختم كاتب المقال كلامه بأنّ “هزيمة تنظيم الدولة تتطلّب أمورا أكثر من مجرّد إلقاء القنابل عليهم”، مشيرا إلى أنّ الحلّ العسكري لا يكفي، وأنّه ينبغي لبريطانيا ترك اتباع سياسة واشنطن الحالية “التي تقوم على تقويض مصالح السنة في المنطقة مقابل التودد لإيران”، والتي “ستزيد من صعوبة هزيمة داعش، وإنهاء نظام الأسد، وتحقيق حل سياسي”.
وقد كان من بين ردود الفعل على المقالين نغمة جديدة تقول: إنّ توجهات حركة أحرار الشام الآن مخالفة لتوجهات الحركة في عهد القادة الذين استشهدوا في تفجير غامض!
في الواقع، فلا أساس من الصحة لهذه النغمة، بل يجدر القول إنّ قيادات أحرار الشام الذين استشهدوا رحمهم الله في أيلول الماضي (كأبي عبد الله الحموي وأبي يزن الشامي وأبي أيمن الحموي وغيرهم) كانوا هم من فتح الطريق أمام هذا الخطاب السياسي، وهم من انقلبوا على الكثير من أفكار التيار السلفي الجهادي الذي انتموا إليه يوما ما. يدل على ذلك ما جاء في “ميثاق الشرف الثوري” الصادر قبل استشهادهم بعدة أشهر وبموافقتهم في 17 أيار عام 2014، فقد كان أحد بنوده: “العمل على إسقاط النظام عملية تشاركية بين مختلف القوى الثورية، وانطلاقًا من وعي هذه القوى للبعد الإقليمي والدولي للأزمة السورية فإننا نرحب باللقاء والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المتضامن مع محنة الشعب السوري بما يخدم مصالح الثورة”.
وحينها أيضًا خرجت أبواق التخوين – سواء من أنصار القاعدة أو أنصار داعش وغيرهم – لتتّهم هؤلاء القادة ومن معهم ممن أصدروا هذا الميثاق بالتنازل والانبطاح للغرب!
في الواقع، فإنّ الأبواق المنطلقة من “السلفية الجهادية” تحديدا، أو المؤيدة للقاعدة وفرعها في سوريا “جبهة النصرة”، هي أول من يقع بالتناقضات عندما يسكت عن خطابات طالبان، التي يبايعها الظواهري – زعيم القاعدة – والذي تبايعه جبهة النصرة، ففيها ما هو أخطر – بمعاييرهم لا معاييري – مما جاء في خطابات أحرار الشام للمجتمع الدولي.
وقبل أن نذكر نماذج منها، نحبّ أن نوضّح بأنّ طالبان قد تخطّت مرحلة توجيه الخطابات الصحفية للرأي العام، كما فعلت حركة “أحرار الشام” في المقالين الأخيرين، بل وصلت إلى مرحلة التفاوض المباشر مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، كما حدث في مؤتمر أوسلو وغيره. ومن الجدير بالذكر أيضًا أنّ قنوات طلب الدعم من الغرب لا تكون من خلال مقال منشور في الصحافة العالمية، وقد ذكر لبيب النحاس في حسابه على تويتر قائلا: “حركة أحرار الشام لا تعرض خدماتها لقتال داعش، الحركة قاتلتهم عن عقيدة ودفاعا عن حاضر ومستقبل سوريا”، وقال أيضا موضّحا أحد أهداف مقالته في “الواشنطن بوست”: “حركة أحرار الشام لا تنتظر دعم المجتمع الدولي ولكن المجتمع الدولي يحتاج لتغيير نظرته إلى الحل في سوريا بعد فشل 4 سنوات”.
وبالنظر إلى خطاب طالبان، نجد الملا محمد عمر يقول في خطابه الأخير للأمة بمناسبة حلول عيد الفطر مثلا: “إنّنا لا ننكر من حقیقة أنّنا نريد العلاقات الحسنة مع (باكستان) و (إیران) بل ومع جمیع دول الجوار، وكما أننا نرید الخیر لشعبيّ (باكستان) و (إیران) نریده لجمیع شعوب دول الجوار والمنطقة والعالم، وهي سیاستنا المتّفق علیها لصالح الجمیع”.
وينطلق الملا محمد عمر في خطابه من ذات المنطلقات التي انطلقت منها حركة أحرار الشام، موضّحا في بيانه: “إنّنا إذا أمعنّا النظر في التعالیم الشرعیة فسنجد أنّ إجراء اللقاءات بالعدوّ، وانتهاج التعامل السلميّ معه في بعض المواقع لیس بمنهي عنه علی الإطلاق، بل الممنوع هو أن یُتنازل عن الموقف الإسلامي العالي. إنّ إجراءنا للاتصالات واللقاءات ببعض الدول وفئات الشعب الأفغاني هي بقصد إنهاء الاحتلال وإقامة نظام إسلامي حرّ في البلد. ومن حقوقنا الشرعیة أن نستغلّ جمیع الطرق المشروعة للوصول إلی هذا الهدف، لأنّنا بصفتنا إدارة منظّمة ذات مسؤولية یقف وراءنا شعب كبیر، ونعیش في مجتمع بشري، ولنا حاجات متبادلة مع الناس لا يمكن الاستغناء عنها؛ فلیكن جمیع المجاهدین والشعب الأفغاني علی ثقة واطمئنان بأنّني سأدافع دفاعًا قویًا عن الموقف الشرعي في كل مجالٍ، و للقیام بالأمور السياسية قد أنشأنا المكتب السياسي، وفوضنا إليه مسؤولية القيام بجميع الأمور السياسية “. وهو شبيه بما صرّح به مسؤول العلاقات الخارجية لأحرار الشام، لبيب النحاس، في حسابه على تويتر (أبو عز الدين) حين قال:
“الساحة السورية تحتاج إلى لاعب سياسي يترجم تضحيات الشعب وانتصارات مجاهديه إلى مكاسب طويلة الأمد تتجاوز المزاودات المرحلية”.
وجاء في بيان رئيس المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية في مؤتمر أوسلو: “وفي عام 2010 م أظهرت الإمارة الإسلامية للمرة الأولى استعدادها للتفاوض مع الولايات المحتدة وفقًا لاعتماد التفاوض من قبل زعيمها أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد من أجل الحل السلمي، وكسبًا للثقة بين الطرفين تمت مناقشة المواضيع التالية: تبادل الأسرى. إبطال القائمة السوداء وقائمة الجائزة. فتح مكتب سياسي”.
وجاء في بيان بعنوان “تصريحات المتحدث باسم الإمارة الإسلامية حول سفر وفد رفيع المستوى إلى إيران”: “قام في الآونة الأخيرة وفد رفيع المستوى من الإمارة الإسلامية برئاسة السيد/ محمد طيب آغا رئيس المكتب السياسي للإمارة الإسلامية إلى الدولة المجاورة إيران، بحث وفد الإمارة الإسلامية خلاله مع المسؤولين الإيرانيين الوضع الحالي لأفغانستان، والمنطقة والعالم الإسلامي وأوضاع المهاجرين الأفغان المتواجدين في إيران. جدير بالذكر بأن السفر المشار إليه جزء من الأسفار العادية التي يقوم بها وفد الإمارة الإسلامية من حين لآخر إلى الدول المختلفة في العالم من أجل بحث موضوعات ثنائية ، وتكوين الروابط، وتوسعتها وتقويتها”.
وهناك غيرها من البيانات والمواقف، ولكنّنا مع ذلك لم نسمع من أحد أنصار القاعدة والمنتمين لتيار “السلفية الجهادية” – الذين عابوا خطاب أحرار الشام – كلاما يدين إرادة “العلاقات الحسنة مع دولة إيران” أو زيارتها بوفد سياسي رسمي، وهي من هي في دعمها لنظام بشار وإرسالها للميليشيات الشيعية التي تذبح المسلمين في سوريا! ولم نسمع أيضًا كلاما يدين “الحل السلمي وكسب الثقة بين طالبان والولايات المتحدة”!
حريّ بهؤلاء قبل أن يوجّهوا اتّهاماتهم لأحرار الشام أن يوجّهوها للإمارة التي يبايعها أميرهم وقائدهم أيمن الظواهري، والذي بايعته “جبهة النصرة” بدورها، وأكدت البيعة عندما استقلّت داعش عنهم أو استقلّوا عنها.
المصدر: ساسة بوست