لم يكن خطاب بشار الأسد الجديد أكثر من تجسيد عملي لسلوكه الإجرامي التحييدي على الأرض، لم يختلف عن خطاباته السابقة التي أتحف بها السوريين الذين يتطلعون إلى الحرية، ومنذ بدأوا ثورة الكرامة، لم يختلف عنها من حيث الحكم على السوري المتطلع إلى حريته، بوصفه عميلاً أو جاسوساً أو إرهابياً، وهذا ينسجم ويتناغم مع سياسة النظام التي لم تتح مجالا لولادة أي حركة معارضة للحكم الأسدي، منذ استحواذ حافظ الأسد على السلطة، وحتى تاريخ خطاب بشار، أخيراً، أمام ثلة من المصفقين الفاقدين للإحساس بسوريين آخرين على بعد كيلومترات قليلة، يتلقون الموت القادم من طائرات النظام، أو يقبعون في معتقلات لا تدخلها الشمس، حيث يقضي عشرات منهم تحت التعذيب، بينما يصفق هؤلاء المعدومو الحس لكلمات تافهة من رجل قرر أن يحرق البلد ويمضي بسياسته الإجرامية، حتى لو تمخض هذا عن إبدال الشعب السوري بشعوب موالية قادمة من بلدان عديدة تنتمي للأسد، وهو ما يهم لنيل المواطنة السورية، بعرف الأسد وجماعته من الشبيحة وداعميه الدوليين.
جرد الأسد في خطابه السوريين من جنسيتهم، واعتبر أن كل من لا يحمل السلاح للدفاع عن كرسيه لا يستحق أن يكون سورياً، ما يعني أنه لا مكان للمحايدين في عرف النظام، ولا للمعارضة، وهو لا يقصد فقط المعارضة الثورية ولا حتى الائتلاف أو الشخصيات السياسية خارج سورية، وإنما كل المعارضة، بما فيها من اعتاد إعلامه أن يسميها سابقا “معارضة شريفة”، فالمواطن السوري، اليوم، يجب أن يحمل السلاح ويموت، ليبقى الأسد. وهذا يعني ان الأخير لا يمانع بإقامة دويلة له ولشبيحته ولمرتزقة إيران وغيرها، وتسميتهم شعب سورية الجديد، ولا يمانع أيضاً بإزالة الجنسية السورية عن الحيادي والمواطن البسيط الذي يريد فقط أن يحافظ على حياته وحياة أسرته.
لعب لعبته المفضلة في خلط الأوراق، فدمج الطرف الثالث المسمى داعش والقاعدة بالمعارضة والثورة، بل اعتبر أن نشطاء حقوق الإنسان ينضوون تحت هذه المظلة، حين تحدث عن فهم الغرب المخطئ لما حصل ويحصل في بلادنا. تحدث عن العمل العسكري وهو ما يتناقض مع الثورة وطلب التغير والتدرج في التعامل مع الحالة، متناسيا أنه استخدم الحل الأمني والعسكري منذ اقتلع أظافر أطفال درعا، ومنذ واجه المظاهرات السلمية بإطلاق النار والضرب والاعتقال.
لم يطرب السوريون يوما لدخول الأقدام الأجنبية بلادهم، ولم يوافق كثيرون منهم من المعارضة على وجود القاعدة في سورية أو وجود داعش على الخارطة، وعبر كثيرون منهم على الأرض في مظاهرات مناوئة، أو على الإعلام، عن رفضهم وجود مثل تلك القوى، بوضوح، على الرغم من وجود قليلين يهللون لمثل هذا الوجود، إلا أننا لم نسمع أبدا على الطرف المقابل أيا من أتباع النظام يصرح برفضه للوجود الإيراني والمليشيات الأجنبية الداعمة للأسد، وهي نقطة تحسب للمعارضة والثورة، وتميزهم أخلاقياً ووطنياً عن جمهور النظام الناعق بالهتاف للقائد المفدى، ولو كان الثمن إحراق البلد، وهو ما يحصل.
لم يكن ما قاله الأسد أخيراً مفاجئاً، لأنه اختار، منذ البداية، أن تكون معركته ضد الشعب السوري الثائر معركة وجود، وهو ما يعني أنه مستعد للإمعان في قتل السوريين، بل واستبدالهم بشعب آخر ينتمي لشيء واحد، هو بشار الأسد. وعلى الرغم من هذا التماهي بين شبيحة الأسد الهاتفين باسم قائدهم النيروني الأيديولوجيا، فإنني ما زلت أنتظر صحوة ما، قد تنبعث من أمهات يرتدين السواد لفراق من قضوا دفاعاً عن كرسي نيرون.
لم يأت بشار بجديد، لكنه ازداد قبحاً كما يحصل بعيد كل إطلالة ينشر فيها فلسفته الممجوجة، والتي تشبه جلسة تعذيب تحت أيدي عناصر المخابرات، كما أنها تشبه أيضاً هتافات الشبيحة وشتائمهم القذرة، وتشبه أيضاً نصباً تذكاريا أعد للبسطار من أجل فريق لاعقي الأحذية من عبدة الأسد.
ما قاله الأسد كان صورة هذا النظام بالمرآة، وانعكاساً لتاريخ عائلته، الممعنة في إقصاء المختلف، واغتيال الهوية السورية وتبديل الانتماء للوطن بالانتماء للديكتاتور.
المصدر : العربي الجديد