أعتاد السوريون على الاختلاف في كل شيء تقريباً ، ما عدا الشهداء بطبيعة الحال والمعتقلين والجرحى الذين يضحون لأجل الثورة السورية وفي سبيل استمرارها حتى النصر .
في سابقة من نوعها استطاع أبناء الثورة أن يوحدوا قرارهم السياسي خلف جهة محددة يرون أنها تمثلهم ولو لفترة انتقالية ، وهذا ما يحصل اليوم مع ” هيئة المفاوضات العليا ” المنبثقة عن اجتماعات الرياض ، والتي يرأسها رئيس الوزراء السابق رياض حجاب ، وتضم أيضاً ممثلين عن كتائب الثوار بمن فيهم جيش الإسلام ، وعسكريين وسياسيين ، رغم وجود شخصيات منبوذة بين صفوفها ، ولكن هذه الشخصيات نكرة لا صوت لها ، مثل لؤي حسين مثلاً والذي يغرد وحيداً على الفيس بوك يستقيل ويعود على حسب الجرعة .
في عودة إلى الوراء قليلاً ؛ عينت الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا مبعوثاً جديداً لها إلى سوريا في 11/7/2014 لإيجاد حل ” للصراع السوري ” كما يسمونه ، انطلق ديمستورا من حيث انتهى الأخضر الإبراهيمي والذي استقال بعد مباحثات جنيف 2 كما فعل قبله كل من الدابي وكوفي أنان ، وغالباً سيلتحق بهم ستيفان ديمستورا قريباً.
كل المبعوثين الدوليين الذين أتوا إلى سوريا لم يكونوا محايدين مما يجري في سورية بل كانوا منحازين بوضوح لنظام الأسد ، ولطالما كنّا نراهم في أحضان إيران وروسيا باعتبارهم الداعم الرئيسي للنظام منذ بداية الثورة ، والمحتل الواضح عسكرياً للأراضي التي يسيطر عليها النظام وسياسياً عبر تصدر غالبية الصفقات التي جرت مع الثوار .
ينفذ ديمستورا الأجندة الروسية الأمريكية الإيرانية بكل تصرفاته ، وخصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني ورفع العقوبات ، فقد قدم ديمستورا خطة عمل في 1/9/2015 تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالي ، تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، ومجلساً عسكرياً مشتركاً، ينسق عمل الفصائل المسلحة من الجيش والمعارضة، ويشرف على إصلاح أجهزة الأمن. إضافة إلى تشكيل مؤتمر وطني، وصولاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية أممية دون تحديد مصير الأسد .
يريد الروس وبالاتفاق مع الأمريكان الذين وقعوا اتفاقاً مع إيران إعادة تعويم نظام الأسد من جديد للحفاظ على المصالح المشتركة بدعوى محاربة الإرهاب ، وهذا ما استطاعت هيئة المفاوضات العليا مدعومة من الشعب السوري مكتسبة الشرعية وكل من السعودية وقطر وتركيا كأصدقاء للثورة والتقاء مصالحهم بضرورة مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة ككل والذي تدفع ثمنه كل من سوريا والعراق ، ناهيك عن لبنان واليمن والخليج نفسه .
قام ديمستورا بتحديد مؤتمر جنيف 3 في 26 /01/2016 وأرسل دعوات لشخصيات أفضل ما يقال عنها أنّها تمثل نظام الأسد ، ولم تكن يوماً في صف الثورة ، أمثال هيثم مناع ورندا قسيس وغيرهم ممن فرضتهم روسيا . حيث أنّ دخول أمثال هؤلاء كطرف في المفاوضات ستجعل الكفة تميل للنظام بسبب عدم وجود صوت واحد يمثل الثورة السورية واختلاط الأوراق بين جهة تريد هيئة حكم انتقالي ومعارضة مصنوعة روسياً تريد محاربة الإرهاب (وبقاء بشار الأسد في سدة الحكم) ، لكن هيئة المفاوضات العليا ، لم تقبل الدعوة ورفضتها رفضاً قاطعاً حتى تعرف كل تفصيل سيجري في جنيف .
استطاع رياض حجاب أن يظهر بموقف السياسي الصلب ومعه غالبية أعضاء الهيئة ، فوجه رسالته لبان كي مون فوراً يطالبه بإيضاح ما الذي يفعله ديمستورا ؟ ما اضطر الأخير لتوضيح أن من دعاهم من شخصيات سيكونوا مجرد مستشارين لديمستورا نفسه ، ولن يحضروا أي مفاوضات تجري بين ممثلي الثورة والنظام . وطلب حجاب بحنكة ذلك مكتوباً ، فأرسله ديمستورا باللغة الإنكليزية لكن رياض حجاب أراده مكتوباً باللغة العربية حتى لا تأول الترجمة على فهمه فيما بعد.
رفضت الهيئة العليا حضور مفاوضات جنيف إلا بعد تنفيذ مقررات قرار مجلس الأمن 2254 والذي ينص على إدخال مساعدات إنسانية للمحاصرين دون الرجوع للنظام ، أمريكا تقول أنّ مطالب المعارضة إنسانية لكن عليها الذهاب لجنيف لكسب الفرصة الذهبية ، ليرد حجاب أن العاجز عن إدخال الحليب للأطفال حتماً لا يمكنه فرض حل سياسي .
ورداً على خطاب رياض حجاب الوطني البارحة في حواره مع كل من قناة العربية و سي ان ان وبقية أعضاء الهيئة والذين يطرحون نفس المبادئ والتذكير بعدم التخلي عنها ، خرجت مظاهرات في الكثير من مدن وبلدات المناطق المحررة تطالب بدعم هيئة المفاوضات ، لأن المعركة السياسية لا تقل خطراً عن المعركة في الميدان خصوصاً مع كم الضغوطات الكبيرة التي تعرض لها ممثلوا الثورة في محاولة جرهم لمفاوضات تبقي الدم السوري لستة شهور أخرى بشرعنة دولية أو بخبث دولي . ليكون شعار المرحلة ” ما لم يحققه نظام الأسد في الحرب لن يحصل عليه في المفاوضات”.
لا تفاوض فإن كان قد كتب علينا الموت سواء أدخلنا المفاوضات أم لا فمن الأفضل أن نموت بشرف ولا نرى بقايا القمامة على طاولة جنيف3 سواء كان وليد المعلم أو رندا قسيس .
المصدر : وطن اف ام