مقالات

عبد الناصر القادري – لماذا الانتخابات في سوريا بهذا التوقيت ؟

تجري اليوم الأربعاء في سوريا انتخابات مجلس الشعب السوري الموقر ، ليدخل المرشحين إلى أقدم برلمان عربي ، ومن قامت بداخله أكثر نقاشات وطنية في يومٍ ما حتى حصلت سوريا على جلاءها من الاحتلال الفرنسي في أربعينيات القرن المنصرم وتعرضت الحكومات التي رأست سوريا لمراقبته ومحاسبته ، ونوقشت تحت قبته مواد أثبتت هوية سوريا وقيمها ، كما استقال رؤساءه أكثر من مرة بتهم صحفية غالبيتها ملفقة ضدهم فقط لإثبات حرية الصحافة وديمقراطية البلد إلى أنّ أصبح العسكر يعين أعضاءه بعهد الانقلابات العسكرية وبداية حكم البعث و خصوصاً منذ عام السبعين حيث أنهى حافظ الأسد كل التجاذبات السياسية والأحزاب وكتب دستوراً على مقاسه وأنهى إلى غير رجعة أي شكل من أشكال العمل السياسي لأكثر من أربعين سنة.

لا أحد يعرف من هم المُرشحين ، ولا أحد يعرف سبب ترشحهم ، وبالتالي لا يُعرف من يمثلون تحت قبة ذاك البرلمان ، ولئن سألت غالبية السوريين عن عدد أعضاء مجلس الشعب لامتعضوا من سؤالك ؟ وحتى إن أجاب بـ 250 عضو مثلاً فلا يعرف ما يفعلون على مدار أربع سنوات من دورتهم التشريعية وهل يحق للشخص أن يبقى أكثر من دورة ، وما هي شروط الترشح لتمثيل الشعب في قرارات مصيرية منها الحرب والسلم .!! لقد نسي السوريون منذ زمن بعيد وجود مجلس شعب في بلدهم فقط يعرفون معلومة مهمة أنّ كل عضو له سيارة مرسيدس هدية من القيادة الحكيمة بسبب أنهم انتخبوا لدخول دكان آخر من دكاكين السرقة والفساد . 

وهل إذا تمتع المرشح بالتصفيق الحار يكون خياراً أفضل عن الذي يجيد إلقاء الشعر ، أم أنّ الخطب الحماسية وترشيح الأسد لقيادة العالم هي المؤهلات العليا المطلوبة في شخصية هؤلاء الجهابذة ، فيما تبقى أم البيارق الرمز المفقود الذي يبحث عنه دان براون وقراءه في أنحاء العالم ؟!.

وقفت روسيا بوجه الأسد عندما طرح فكرة الانتخابات البرلمانية لأنها تتعارض مع الحل الذي طرحته الأمم المتحدة بإجراء انتخابات في عام 2017 بعد تحضير دستور جديد للبلاد وذلك على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” قائلةً أن هناك ضرورة أن تجرى الانتخابات البرلمانية في سوريا بناء على اتفاقات تتوصل إليها حكومة الأسد والمعارضة.

فيما كان الإيرانيون يساندون الأسد في إجرائه للانتخابات وذلك لأن خطة الأسد -إيران قد تختلف قليلاً عما يخطط له الروس والأمريكان حيث أنّ إيران قد زادت من دعمها مؤخراً لنظام الأسد وباتت تظهر عدد قتلاها من ضباط الحرس الثوري والمليشيات الشيعية بشكل ملفت وذلك لإثبات وجودها في زخم الانسحاب العسكري الروسي .

لكن الروس غيروا من قرارهم أو لهجتهم الاستعلائية على الأسد وخصوصاً بالنسبة للانتخابات حيث اعتبروها مطابقة للدستور الحالي غالباً بما يتفق لتفاهمات مع الأمريكان من طرف والإيرانيين من طرف آخر .

يبقى السؤال لماذا يجري الأسد انتخاباته في هذا التوقيت ؟

في المتابعة الجيدة للميدان السوري سياسياً وعسكرياً نرى أنّ الأسد زاد من ضرباته لداعش وإن كانت معارك صورية في تدمر حيث انسحب التنظيم وأخلى المدينة ذات البعد التاريخي عالمياً وساهمت روسيا بتفكيك الألغام فيها لإضفاء نوع من الشرعية عن محاربة الأسد للإرهاب في الدعوة الكبرى التي جاء بها بوتين إلى سوريا أساساً .

أيضاً ؛ هناك جولة جديدة من المباحثات تجري في جنيف اليوم حيث لا يمانع نظام الأسد من إجراء مفاوضات مباشرة مع وفد الهيئة العليا للمفاوضات ، ولكن ماذا سيقدم وفد الأسد على الطاولة ؟

أظن سيقدم مشروع تعديل دستور جديد يقوم به أعضاء مجلس الشعب الجدد والمنتخبين من قبل الشعب السوري الذي تهجر أكثر من نصفه وقتل 250 ألف بحسب الأمم المتحدة وقرابة النصف مليون بحسب جمعيات حقوق الإنسان وفيه مئات الآلاف المفقودين والمعتقلين وتجاوز عدد جرحاه المليون ونصف .

من المواد التي ستعدل أن ينتخب رئيس الجمهورية عبر مجلس الشعب (المُعين) وبذلك سيكون ممثلين الشعب قد انتخبوا الرئيس .

فيما سيرفض الوفد الممثل للثورة السورية هذه الاقتراحات جملةً وتفصيلاً لأنها ستبقى الأسد ونظامه وهو ما يتنافى مع هيئة الحكم الانتقالية التي يطالب بها ممثلوا الثورة السورية ، وبذلك قد تكون هذه آخر جولة مباحثات من جنيف ويستقيل بعدها ستيفان ديمستورا لفشله في حل صراع إقليمي مدروس الخطوات ربما ، كما فعل سلفه الأخضر الإبراهيمي ومن قبله كوفي أنان …! وقد ننتقل بعدها للخطة “ب” التي أكثر من ذكرها  جون كيري والتي قد تكون التقسيم الفيدرالي للبلد .

حتى أنّ الأمم المتحدة قالت أنها لا تتعامل مع الانتخابات التي يجريها الأسد في مناطق سيطرته حيث تركز الأمم على مباحثات جنيف !

في مقابلة للمفتي الكبير أحمد بدر الدين حسون على قناة الميادين قال أنّ الوفود الفرنسية والألمانية قالت له بعد خروجها من عند الأسد ، “ما هذا الرجل ليته يوجد عندنا رئيس مثله في بلادنا ” ، ربما تحدث لهم الأسد عن الأسلوب الديمقراطي في القضاء على الشعب ونقل لنا الرائد الذي لا يكذب أهله تلك الحوادث .

والمسير للسخرية أكثر أنّ الإعلام العربي بشكل عام لم يتناقل أخبار العرس الوطني الذي يجري في سوريا وانتخاب الأسد وعقيلته في مكتبة أبيه قرب قصره ،  حيث كانت معه السيدة الأولى التي تهتم بأخبار الشعب السوري أولاً بأول من مواقع الموضة !

فيما أخبرنا هشام الشعار رئيس لجنة الانتخابات أنّ المدن التي لا يمكن الوصول إليها سنضع في محافظاتها صناديق اقتراع ليتمكن الشعب السوري من أداء واجبهم الوطني ، ربما يصوتون عبر الواتس آب .

وطن اف ام 

 

 

 

 

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى