فوجئ الصحافيون الغربيون في موسكو الأسبوع الماضي بدعوة عاجلة من وزارة الخارجية للاستعداد للتوجه الى سوريا. هدف الرحلة ظلّ سراً، ولم يتبلغ الصحافيون أي تفاصيل باستثناء أن ثمة لباساً “رسمياً” للزيارة، هو سترة واقية من الرصاص، كما حُذر الصحافيون الأميركيون تحديداً من أنهم إذا جاءت كتاباتهم سلبية “تكون رحلتهم الأولى والأخيرة”.
منذ انطلاقتها، شهدت المغامرة الروسية في سوريا كثيراً من الحيل والعروض، بدءاً من شعارها المعلن محاربة الإرهاب، وصولاً الى اعلان انجاز المهمة. إلا أن دعوة الصحافيين للاستماع الى أوركسترا مسرح ماريينسكي تؤدي مقطوعات لباخ وبروكوفييف في مسرح أثري بتدمر حرر للتو من براثن “داعش”، تشكل ولا شك إحدى أكثر الالاعيب الروسية غرابة.
بدأت رحلة كسب العقول والقلوب والآذان أيضاً، استناداً الى مراسل صحيفة “النيويورك تايمس”، من اللاذقية حيث حطت الطائرة التي نقلت نحو مئة صحافي أجنبي من موسكو. هناك، رفع الستار عن فصل جديد من المسرحية الروسية استمر 56 ساعة، بما فيها أكثر من 12 ساعة مسافة الطريق ذهاباً وإياباً من اللاذقية الى تدمر.
لا أحد يشكك في أهمية الموسيقى الكلاسيكية في الثقافة الروسية، الا أن العملية اللوجيستية والأمنية الضخمة التي تطلبها نقل هذا العدد من الصحافيين من اللاذقية الى وسط سوريا الذي كان حتى وقت قريب منطقة حرب، أظهر تجربة متطورة في البروباغندا التي تخلط الإرث الثقافي الغني لموسكو بطموحاتها العسكرية غير المحدودة. وتطلب نقل الصحافيين خمسة باصات كبيرة واكبتها ثمانية آليات مدرعة مجهزة برشاشات آلية وآليتان قتاليتان مع مرافقة دائمة من طائرتي هليكوبتر هجوميتين طوال الرحلة.
وعلى الطريق، مر الصحافيون بقواعد عدة تضم طائرات هليكوبتر روسية قرب حمص وتدمر وغيرهما. الا أن أكثر ما فأجأهم، كما قال مراسل شبكة “سي أن أن” الاميركية للتلفزيون، هو رؤية هذا العدد من الجنود الروس في مواقع عدة من سوريا. ولفت الصحافيين الموقع الجديد الذي بناه الجيش قرب تدمر الأثرية. ومع أن الموقع نظرياً هو قاعدة للفريق الذي أزال آلاف الالغام من تدمر وضواحيها في الاسابيع الاخيرة، لاحظ الصحافيون أن العتاد المنتشر فيها يتجاوز كاسحات الالغام الى عشرات الاليات القتالية وناقلات الجند المدرعة، وصولاً الى نظام للدفاع الجوي من طراز “بانتسير- س 1” القادر على إطلاق صواريخ وقذائف على طائرات.
اختلفت مشاهدات الصحافيين عن الرحلة السورية. فثمة من ركز على محاولات الروس إظهار دورهم في “مصالحات” يديرونها في سوريا، وإن يكن البعض لم يفهم من كان أطراف تلك المصالحات. ولفت آخرون إلى الأسلحة الروسية المتطورة . لكن الخلاصة التي أجمعوا عليها هي أن التعزيزات الروسية في سوريا أكبر بكثير مما يعتقد، وأن لا شيء في القواعد الروسية يوحي بأن بوتين ينوي ترك البلاد في أي وقت قريب.
المصدر : النهار