عندما سُئلت باربرا ف. وولتر، الخبيرة في الحروب الأهلية، عن صراعات مماثلة للحرب السورية على مر التاريخ، سكتت قليلاً ثم فكرت في بعض الاحتمالات، قبل أن تستسلم قائلة إن ليس هناك أي صراع مماثل، “إنها حقًا قضية صعبة جداً جداً”.
لا تكمن فرادة الحرب السورية في الفظائع التي يرتكبها المتقاتلون في حق شعب بكامله فحسب، وإنما أيضاً في ممارسات الأمم المتحدة التي يفترض أنها منظمة محايدة لا علاقة مشبوهة لها بأي من الاطراف ولا تقدم مصلحة أي منهم على مصلحة الآخر. فكأن تعطيل الخمسة الكبار مجلس الأمن لا يكفي لنسف دورها في وضع حد للنزاع، لتتكدس الشبهات في عملها الانساني أيضاً، وصولاً أخيراً الى تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية عن دفع الأمم المتحدة عشرات ملايين الدولارات لنظام الرئيس بشار الأسد بموجب برنامج المساعدات.
وفي عملية حسابية بسيطة يتبين أن المنظمة الدولية دفعت 31,5 مليون دولار على الأقل في عقود لإدارات ومؤسسات وجمعيات على علاقة بالنظام وتخضع لعقوبات أوروبية وأميركية ترمي أصلاً الى اضعاف النظام ومنعه من مواصلة ممارساته ضد شعبه وإجباره على تقديم تنازلات للتوصل الى حل. ويظهر أيضاً تحليل عقود الأمم المتحدة أن وكالاتها عقدت صفقات مع 258 شركة سورية أخرى على الأقل، ودفعت مبالغ في عقود تراوح قيمتها بين 54 مليون دولار و36 مليون جنيه استرليني وصولاً إلى 30 ألف دولار. ويرجح أن كثيراً من هذه الشركات لها صلات بالأسد أو القريبين منه.
ليس مقنعاً قول الأمم المتحدة إن عملها الإغاثي أنقذ ملايين الأرواح، فهذا عمل المنظمة أصلاً، وليست مجادلتها بأن عليها التعامل مع النظام إذا أرادت التحرك في سوريا كافية لتبرير ما يرقى الى مستوى تواطؤ مع طرف أساسي في الحرب.
وكم تبدو مخيبةً التقارير الواردة منذ بداية المهمة الانسانية في سوريا عن ضغوط يمارسها النظام على البعثة الدولية لتوجيه المساعدات الى مناطق معينة وإرغامه إياها على تعديل تقاريرها بما يتلاءم ومصلحته تحت تهديد منعها من العمل في البلاد، بل هي تشكل نقطة سوداء في سجلها الانساني. سياسة الإذعان والتسويات التي تعتمدها الامم المتحدة في سوريا لا تقل خطراً عن تلك التدخلات الخارجية والمصالح المتضاربة الكفيلة بمدّ أمد النزاع وجعله أكثر عنفًا وأكثر استعصاء على الحل.
مع تسويات مشبوهة كهذه وإذعانها لتهديدات النظام بسحب ترخيص العمل منها، تساهم الامم المتحدة في تغذية العنف وإطالة زمن الحرب الى حين فناء البشر والحجر معاً.
المصدر : النهار