ظهر كل من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في المنصة الرئيسية لمباراة الافتتاح بين فريقي بلديهما في نهائيات كأس العالم 2018. كان بوتين خلال دقائق المباراة يقلّب كفيه بفرح، فيما بدا الآخر مستسلماً كلما تلقى مرمى بلاده هدفاً جديداً. لم يبدُ في وضعٍ يتيح له التحدث عن صفقة الصواريخ الروسية المتطورة إس 400، فالأخبار الرائجة تفيد بأن السعودية صرفت نظراً عنها بضغط أميركي، أما الحضور السعودي الرسمي الممثل بولي العهد فمخصص لدعم الفريق، كما يبدو.
في المباراة نفسها، شوهد رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في الشوط الأول يجلس في المنصة الرئيسية، وهو يضع ربطة عنق خضراء، فيما ظهر مقعده خالياً في الشوط الثاني، بعد تلقي مرمى السعودية عدداً من الأهداف. يبدو هذا الحضور لرئيس الوزراء اللبناني سياسياً في الدرجة الأولى، وخصوصا مع وجود ربطة عنق لا تمت للسياسة اللبنانية بصلة، بل تومئ بقوة إلى الميل نحو السعودية. وإذا استحضرنا أحداث ملابسات استقالة الحريري الشهيرة من الرياض فقد يكون الأمر برمته استغلالاً رياضياً لعرضٍ سياسي. ويحق طبعاً للحريري أن يعبر بالطريقة التي يرغب بها، ولو كان ذلك في مباراةٍ يخسر فيها حليفه بخمسة أهداف نظيفة.
كان مسؤولو الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الرسميون قد أصيبوا بالرعب، بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمنع بعض الجنسيات من دخول الولايات المتحدة، واعتقدوا أن هذا القرار سيؤثر على شعبية البطولة، فيما لو نجح ملف أميركا الشمالية لاستضافة كأس العالم. ولإزالة هذا الخوف، أرسل ترامب رسالة رسمية إلى رئيس “الفيفا” يؤكد فيها أن قراراته السياسية لا تنطبق على بطولة كأس العالم. وجاء تدخلُه هذا برسالة رسمية ذات شكل سياسي، لكن تدخله الحاسم ظهر في مكانه المفضل، وهو منصة “تويتر”، عندما غرّد بشكل واضح، وربما آمر، قائلاً: من المعيب ألا يدعمنا مَن ندعمهم. في إشارة إلى السعودية، فُهمت الرسالة جيداً وهرع المصوتون إلى اجتماع “الفيفا”. وبالفعل، فاز الملف الأميركي الشمالي، ومني المغرب بخسارة جديدة، وربما متوقعة.
جاء تصويتُ الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم على مكان انعقاد كأس العالم 2026 متزامناً مع التصويت على قرارٍ يدين إسرائيل بشأن أحداث غزة، وتعارضه أميركا.. يعني فازت أميركا الشمالية باحتضان كأس العالم، فيما دينت إسرائيل. والفرق بين القرارين أن البطولة ستعقد في أميركا الشمالية بالفعل، فيما سيُطوى قرار الإدانة، ويوضع إلى جوار عشرات القرارات المماثلة التي اتخذت في وقت سابق. تبدو الاستجابة لأميركا أمراً لا مفرّ منه، وخصوصا لتلك البلدان التي تنتظر ما تقوم به أميركا لتدعمه، أو تحذو حذوه، وخصوصا بعد تواتر تغريدات مقلقة لترامب، فالرجل يبدو جدياً، ويستطيع اتخاذ قرارات حاسمة في أوقات عصيبة، كالانسحاب من المعاهدة النووية مع إيران، أو قرار اللقاء مع زعيم كوريا الشمالية، ورفع العقوبات عنه، بل وإيقاف المناورات المشتركة مع كوريا الجنوبية.
لا يبدو خلط كرة القدم بالسياسة توصيفاً جدياً في هذه الأيام، فالصحيح أن كرة القدم هي وجهٌ لسياسة ما. ويستطيع الساسة، أو تستطيع السياسة أن تحوّل أي ظاهرة أو نشاط لصالحها، ويمكن أن تتلاعب بها لتخدم رؤيتها، وهو تجسيد لما ترغب السياسة أن تكونه بوصفها جسداً ممتداً ومهيمناً، ويمكنه توظيف ما تراه مناسباً لخدمتها. وشاهدنا ذلك واضحاً خلال أربع وعشرين ساعة فقط، وفي مناسبة كأس العالم بالتحديد، فقد نجحت أميركا “سياسياً” في استضافة كأس العالم. وعبّر سعد الحريري عن موقف سياسي بربطة عنقه الخضراء. أما مصافحات بوتين وبن سلمان، عقب كل هدف روسي، فيمكن أن تقول أشياء أخرى غير موجودة في قواميس كرة القدم.
المصدر : العربي الجديد