لا أحد غير الإيرانيّين أنفسهم وفي الحال الراهنة قادتهم يستطيع أن يجيب عن سؤال: ماذا يجب أن تفعل إيران؟
الذي طرحه المُتابعون الجدّيون للأوضاع في المنطقة وللمتدخّلين فيها من خارج في آخر “الموقف هذا النهار” الذي نُشر يوم أمس. فأهل مكّة أدرى بشعابها يقول العرب.
وهذا ما تقوله وتؤمن به كل شعوب العالم وخصوصاً عندما تكون مالكة جدّية للقرار وقبله لحريّة صنعه أو للإسهام في صنعه ومعها حريّة المحاسبة بواسطة انتخابات عامّة حرّة ونزيهة.
إلّا أن ذلك لم يمنع هؤلاء من إعطاء جواب مبدئي لا علاقة له بالتفاصيل ولا يقترح سياسات أو ينتقد سياسات أو يؤيّد سياسات. وجلّ ما يتضمّنه هو اقتراح مبادرة القيادة العليا في إيران وعلى رأسها الولي الفقيه آية الله السيد علي خامنئي إلى إجراء مراجعة للاستراتيجيا الخارجيّة أو بالأحرى الإقليميّة التي اعتمدتها الجمهوريّة الإسلاميّة بعد انتهاء غزو عراق صدام حسين ورحيل مؤسّسها آية الله الخميني. ذلك أن من شأنها، وخصوصاً إذا كانت موضوعيّة وبعيدة من الانفعال ومن المصالح الخاصّة والشخصيّة وعلميّة، أن تُظهر النجاحات التي حقّقتها والإخفاقات التي مُنيت بها.
ومن شأنها أيضاً دفع القيادة إلى تحصين الأولى وإلى إزالة الآثار السلبيّة للثانية، كما إلى تلافي تكرارها. ومن شأنها ثالثاً وأخيراً حضّ القيادة على التمسّك بالاستراتيجيا التاريخيّة للثورة الإسلاميّة في إيران، وفي الوقت نفسه على تغيير أو تعديل السياسات التطبيقيّة لها إذا كانت هي مصدر الإخفاقات، وإذا رأت أن الاستراتيجيا المُشار إليها تحتاج إلى بعض التعديل فلا بأس من مراجعتها بقصد جعلها مترافقة مع التطوّرات الدوليّة والإقليميّة، وقادرة على المحافظة على النظام الإسلامي فيها، وعلى ضمان مصالح الدولة الإيرانيّة في محيطها الإقليمي بل في المنطقة كلّها. أمّا الأسباب التي دفعت وتستمر في دفع المُتابعين أنفسهم على حضّ القيادة العليا في طهران على إجراء مراجعة جدّية وعلميّة وعلى خروجها بقرارات مهمّة ومُفيدة فكثيرة.
أوّلها حاجة المنطقة إلى استمرار إيران قويّة في منطقتها كي تستطيع الإسهام الفعلي في محاربة الإرهاب الذي يغزو العالم الإسلامي بل العالم كلّه. وحاجة العالم إلى تعاون إيران الشيعيّة ومحيطها السنّي العربي وغير العربي في المحاربة المذكورة. وذلك مستحيل مع استمرار الاستراتيجيا الإيرانية وخصوصاً ما يتعلّق منها بتصدير الثورة والسيطرة على المنطقة بإقامة أنظمة موالية لها بالسياسة أو بالمذهب. ولا يعني ذلك نقض هذه الاستراتيجيا. فالشق المتعلّق منها بقضية فلسطين لا بدّ من بقائه ركناً في أي استراتيجيا جديدة لأنّه نجح في تحرير لبنان من احتلال إسرائيل على يد أبنائه في “حزب الله”. لكن لا بدّ أيضاً من الاعتراف بأن العالم العربي المعني بالقضيّة تعتقد غالبيّته أن التزام إيران بها مصلحي فقط.
وثاني الأسباب تحقيق الاستراتيجيا الإيرانيّة عكس الأهداف التي حُدّدت. فالوحدة الإسلاميّة اعتبرها المسلمون بعد سنوات عدّة وحدة شيعيّة. وهي لم تتحقّق. وما أدى إليه التمسّك بها كان القضاء على النظام الإقليمي السائد منذ نحو مئة عام (سايكس – بيكو) وترك المنطقة في فراغ. وكان أيضاً القضاء على وحدة دول كثيرة إسلاميّة. والحبل على الجرار.
وثالث الأسباب فشل مشروع طهران – بغداد – دمشق – بيروت – فلسطين (غزة) ولاحقاً صنعاء. وتسبّبه بتصديع وحدات دول هذه العواصم. وفي ذلك فشل لإيران. ورابع الأسباب توقّع نقل “المشاكل” والاضطرابات إلى داخل إيران في حال استمرّت تقاتل في “الشقف” التي تُسيطر عليها من سوريا واليمن والعراق وربما لبنان، وبقيت رافضة الحوار الإيجابي مع الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى من أجل وضع نظام إقليمي جدّي ووقف الحروب التي ساهمت مع أعدائها في نشوبها.
ذلك أن “التشبّث” والعناد سينشر نار الحرب المذهبيّة الطويلة الأمد في كل دول المنطقة. وقد لا تُمانع أميركا في ذلك إذا عجزت عن وقفها. وكل ما ستفعله هو محاولة الحدّ من آثارها عليها وعلى حلفائها في العالم الأول. والآثار الاقتصاديّة السلبيّة لذلك ستظهر في الدول كلّها بما فيها إيران.
أمّا خامس الأسباب وآخرها فهو أن الثورة الإسلاميّة في إيران أثبتت بتأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة وباستمرارها رغم التحدّيات 37 سنة أن الشيعة قادرون على الحكم وليس على الثورة على الظلم فقط كما قيل دائماً. وهذا الأمر يحتاج إلى الحماية كي يستمر.
المصدر : النهار