يكاد لا يمر يوم واحد لا تظهر فيه مؤشرات على أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قد وضعت إيران على رأس لائحة استهدافاتها في منطقتنا، جنباً إلى جنب مع «دولة» أبي بكر البغدادي «الإسلامية» (داعش).
لا يقتصر الأمر على تصريحات أقطاب الإدارة الموجهة ضد النفوذ الإقليمي لإيران أو المتحدثة عن كون جمهورية الخامنئي «الإسلامية» هي أكبر راع للإرهاب في العالم! بل تجاوزتها إلى تحريك حاملة طائرات أمريكية إلى خليج عدن، في أعقاب استهداف سفينة سعودية من قبل مقاتلي الحوثي. وتتحدث تقارير صحافية عن سعي الإدارة الأمريكية لتشكيل تحالف عسكري عربي ـ إقليمي لمواجهة التهديدات الإيرانية، أطلق عليه «ناتو» عربي ـ إقليمي، من المفترض أن يضم مصر والسعودية والأردن ودولة الإمارات العربية وتركيا.
هذا مما يزيل استغراب شن حسن نصر الله ـ قائد الميليشيا الإيرانية في لبنان ـ هجوماً مفاجئاً على دولة الإمارات، إذا اعتبرنا هجومه على السعودية من مألوف خطاب الرجل.
الواقع إن إيران بدأت تتحرك على خطين متباعدين لاستيعاب الهجمة الترامبية: أولهما محاولة التقرب من دول الخليج، من خلال حديث وزير خارجيتها جواد ظريف عن «الانفتاح على الحوار» مع الجوار العربي الخليجي، كما من خلال زيارتي الرئيس حسن روحاني إلى كل من الكويت وسلطنة عمان. والثاني خط الابتزاز والتهديد من خلال حسن نصر الله الذي فتح النار، مجدداً، على دول الخليج، واستعاد تقليداً بات منسياً منذ سنوات في إطلاق التهديدات اللفظية ضد «عدوه» الإسرائيلي المزعوم.
على الضفة الأخرى، لا تفوت المراقب مؤشرات لافتة في الخطاب التركي ضد إيران، وظهور علامات على قرب نهاية شهر العسل القصير بين تركيا وروسيا في الموضوع السوري. فقد تلقف الأتراك فكرة المناطق الآمنة التي طرحها ترامب، وكلف فريقه بوضع تصور عملي للموضوع خلال فترة ثلاثة أشهر. أعلنت إيران صراحةً اعتراضها على هذا المشروع الذي يمنح الأمريكيين والأتراك منطقة نفوذ دائمة داخل ولايتها السورية (الخامسة والثلاثين، ودرة تاج توسعها الإقليمي)، فمن شأن تحقق ذلك أن يعرض مشروع إمبراطوريتها المفترضة للخطر، في حين سمحت لها السياسة الأمريكية السابقة في عهد باراك أوباما بأن تشط في أحلامها الإمبراطورية تلك. وجاء البيان الأمريكي بصدد مباحثات نائب الرئيس مايكل بنس ورئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، التي تضمنت «اتفاق الجانبين على مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران» لتُخرج إيران عن طورها تماماً، فيستدعى السفير التركي في طهران إلى وزارة الخارجية الإيرانية ويحمَّل رداً قاسياً على المواقف والتصريحات التركية الجديدة من إيران.
لم يمض على انتقال السلطة في واشنطن شهر واحد، وبتنا أمام هذا المشهد الخطير الذي يذكر بالحملات التمهيدية لشن الحروب. وفي الهدف اليوم دولة إيران. والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو، في شعبويته وارتجاليته وجهله، أخطر حتى من سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش الذي أمضى ولايتيه في خوض غمار الحروب المدمرة في منطقتنا. ترى هل ينوي ترامب استكمال حروب بوش بضرب إيران هذه المرة؟ أم أن البراغماتية الإيرانية ستتمكن من استيعاب العدوانية الأمريكية ضدها باختيار طريق الانحناء أمام العاصفة؟ وكم سيكلفها هذا الانحناء المفترض من جموحها السابق واستثماراتها في سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين؟ أم أن الأقدار ستنقذها من خلال احتمال إطاحة فضيحة مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي مايكل فلين برئاسة ترامب؟ فهذا من السيناريوهات المطروحة حالياً في الرأي العام الأمريكي الذي لا يكن قسم كبير منه الود للرئيس الجديد. وحتى لو نجا ترامب من ارتدادات هذه الفضيحة، فسيكون مضطراً، فيما تبقى من ولايته، للامتثال لثوابت السياسات الأمريكية التقليدية، أو يطاح به عند أي زلة جديدة لا تستبعد شخصيته ارتكابها.
من المحتمل أن قادة النظام في طهران يأملون بتطور الأمور في هذا الاتجاه. لكن السياسة لا تبنى على آمال، بل على تدابير وأفعال. وهو ما تحاول إيران تلمس الخيارات المتاحة للقيام به، سواء من خلال السعي لاسترضاء الجوار الخليجي بمعسول الكلام، أو هز عصا حزب الله بمسمومه، أو تهديد الجارة التركية.
الواقع أن السياسة التوسعية الإيرانية في السنوات السابقة، ومسلكها التخريبي في الدول العربية، لم يتركا لطهران أحداً يتعاطف معها في محنتها الراهنة، باستثناء أدواتها من الميليشيات الطائفية بطبيعة الحال. أما المجتمعات الشيعية في الدول العربية التي ورطتها تلك الميليشيات المؤتمرة بأوامر ولي الفقيه في استقطابات مذهبية مدمرة ضد المكونات الأخرى الشريكة، فسوف تدفع ثمن قرارات لم يكن لها يد في اتخاذها.
إيران دولة جارة تنتمي إلى العالم الإسلامي. كان المأمول أن يحميها محيطها العربي والإسلامي في وجه التهديدات الأمريكية. من المؤسف أن مشاعر العداء لإيران هي الطاغية اليوم في الرأي العام العربي على الأقل، بما في ذلك قيادات الدول. وتتحمل إيران وحدها مسؤولية ذلك من خلال سياساتها التدخلية اللامسؤولة في شؤون دول الجوار. تدخل لا أفق إيجابيا له، ولا ينطوي على مشروع جذاب، بل يقتصر على التخريب وتعميم الصراع المذهبي السني ـ الشيعي العابر للدول. وفي المأساة السورية بالذات تدخلت إيران لمصلحة نظام يدمر بلده ويقتل شعبه طوال ست سنوات، مع مساهمة الميليشيات الإيرانية متعددة الجنسيات بصورة مباشرة في جرائم القتل والتنكيل والتهجير والتخريب.
لن يكسب أحد من شعوب المنطقة من حرب أمريكية جديدة هدفها إيران هذه المرة. ولكن على نفسها جنت براقش.
المصدر : القدس العربي