لماذا قد يستخدم الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون؟
لم تهدأ حرارة هذا السؤال. صار هو الفيصل بين التفسيرات الكثيرة والإجابات المتناقضة. ما حاجته لاستخدام سلاح محرم دولياً بعد كل الإنجاز الميداني لصالحه منذ سقوط شرق حلب؟
سأعود بعد قليل للتعليق على عدم جدوى حساب الربح والخسارة، كقاعدة لقياس منطق بشار الأسد وخياراته. جرت العادة أن ينطلق البحث، في العقل الجنائي، من سؤال «من المستفيد»؟ وهو السؤال نفسه الذي ينطوي عليه السؤال عن «مصلحة» الأسد في استخدام السلاح الكيماوي، في هذا التوقيت، وفي ظل التوازنات الميدانية الراهنة في سوريا.
لو كنت مكان الأسد، كما أزعم أنني أفهمه، لاستخدمت الكيماوي من دون تردد كبير.
متابعتي للمواقف الدولية، والأميركية تحديداً، ستقنعني أن مصيري لم يعد مطروحاً. نظامي حصين أكثر مما كانه خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما. البيت الأبيض أكد ما صرح به مسؤولان كبيران في الإدارة الأميركية، أن الولايات المتحدة لا تركز
حالياً على إزاحة بشار الأسد من السلطة، وإنما تركز على هزيمة «داعش».
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وسفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، كانا أكدا على التوالي «أن مستقبل الأسد متروك للشعب السوري»، وأن «أولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على إزاحة الأسد عن السلطة».
سأستنتج أن الفرصة سانحة لكسر المعارضة، التي أقلقتني جداً قبل أسبوعين حين أطلقت هجوماً مباغتاً عند أطراف حي جوبر شرق دمشق. سأستنتج أن اللحظة مواتية للتخلص من الرعب الذي أصابني حين حاولوا التسلل من جوبر باتجاه كراجات العباسيين، لفصل دمشق عن محافظات الشمال والشرق.
وسأعتبر أنه لا حل لتحفز المعارضة المسلحة، المراهنة على مناخ دولي جديد، إلا توجيه ضربة لهم تقنعهم أن أحداً في العالم لا يهتم لشأنهم. لا شيء يبعث بهذه الرسالة أوضح من استخدام السلاح الكيماوي وإظهار عجز المجتمع الدولي وإشعار السوريين أنهم وحدهم في هذا العالم. سأضربكم ولن يتحرك العالم.
لا شيء يخيف الأسد أكثر من شعور خصومه، الوهمي أو الحقيقي، أنهم ليسوا وحدهم. وهو يضرب في الحالتين.
قالها كمال جنبلاط قبل اغتياله بعام حين تبلغ أن قراراً قد يكون اتخذ لتصفيته: «لم نعد وحدنا في العالم، إنما المطلوب هو الصمود». أخطأ يومها في قراءة الوقائع الدولية والإقليمية وقتل في لحظة عزلة هائلة. كرر ابنه وليد جنبلاط العبارة نفسها شتاء 2004، قبل اغتيال رفيق الحريري وفي ذروة المواجهة مع الأسد ورفع العلم الفرنسي على دارة المختارة، مشيراً إلى أن ما توهمه أبوه من دعم دولي هو في حالته وقائع دامغة. ضرب الأسد في الحالتين. وضرب في سوريا لتبديد أي انطباع عند السوريين أنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم.
لو كنت مكان الأسد، كما أزعم أنني أفهمه، لاستخدمت الكيماوي من دون تردد كبير. هذه المرة لنسف أي إمكانية تفاهم بين واشنطن وموسكو. سأختار توقيتاً قاتلاً لاختبار امتحان الثقة بين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب. أعلم من خلال اتصالاتي والتصريحات التي أشرت إليها أن التلاقي بين الرجلين يتقدم على قاعدة التفاهم البعيد على مصيري. ضربة كيماوية لن تخنق فقط أطفال خان شيخون، بل ستخنق جنين الثقة بين دولتين كبيرتين وتسمم علاقاتهما، إلى الحد الذي يجعل تفاهمهما عليّ صعباً.
سأكون سعيداً الآن بمتابعة الشرخ الذي امتد من خان شيخون في إدلب، إلى أروقة مجلس الأمن في نيويورك.
هكذا يفكر الأسد وهكذا يغامر. لا يصيب دائماً. لكنه حين يصيب تكون النتائج باهرة. وحين يتأذى يكون الأذى كبيراً أيضاً.
من يسأل اليوم عن مصلحة الأسد في استخدام الكيماوي في خان شيخون واحتمال أن يقلب العالم عليه، ليتذكر إصرار الأسد على خيار تمديد ولاية الرئيس اللبناني إميل لحود خريف عام 2004. كان خيار التمديد هو خيار الأسد شخصياً، وكان المؤكد أن يؤدي التمديد إلى صدور القرار الأممي 1559 الداعي بين بنوده إلى انسحاب سوريا من لبنان وإجراء انتخابات رئاسية بشكل حر وعادل!
صدر القرار 1559 بعد خمسة أيام من جلسة للحكومة اللبنانية أُقر خلالها مشروع قانون لتعديل الدستور اللبناني بما يتيح تمديد ولاية رئيس الجمهورية، وقبل يوم واحد من إقرار هذا المشروع في مجلس النواب والتصويت بعده على تمديد ولاية لحود.
مع ذلك غامر الأسد. مدد للحود وحصد نتيجة خياره الخروج من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، الذي قتل هو الآخر رغم كل الضمانات الدولية والتحذيرات التي وصلت إلى مسامع الأسد وحلفائه. وخاطب الأسد برلمانه في مارس (آذار) 2005 بأن «انسحاب الجيش السوري استجابة للقرار 1559 فيما يتعلّق بسوريا»!! لم يحسبها صح. لكنه ضرب.
أن تكون مجزرة خان شيخون كاغتيال كمال جنبلاط، أي مقدمة للإطباق الأسدي على السوريين أكثر، أو تكون كالتمديد للحود واغتيال رفيق الحريري، فرصة لكف يد الإجرام الأسدي، هو امتحان اللحظة لترمب… ومن خلفه للعالم!
المصدر : الشرق الأوسط