ارتفعت حدة الانتقادات الموجهة للجيش اللبناني من النشطاء السوريين ومن اللبنانيين المناصرين لهم إثر الانتهاكات الأخيرة التي تعرض لها لاجئو عرسال بحجة البحث عن أشخاص منتمين لتنظيمي جبهة النصرة وداعش، وما تلاها من إعلان الجيش اللبناني عن مقتل أربعة لاجئين بعد اعتقالهم خلال مداهمة للجيش اللبناني الأسبوع الماضي، لتمثل فصلا آخر من فصول مأساة اللاجئين السوريين في لبنان الذي شكل أول محطات السوريين الهاربين من نار الحرب ومن الخدمة العسكرية، وبات ملجأ لما يزيد عن مليون ونصف المليون لاجئ سوري يعانون امتحانات الذل اليومي، ويعيشون وطأة الانتهاكات اللبنانية التي وصلت إلى القتل والتعذيب.
معاناة السوريين في مخيمات اللجوء اللبناني من انتهاكات متكررة وحملات تحريض، إلى صيحات العنصرية والاعتداءات الفردية الكثيرة، تعود أسبابها لموروث أيام الوجود العسكري السوري في لبنان، وتوتر العلاقة الرسمية بين سوريا ولبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، ولانقسام القوى اللبنانية حول الملف السوري وشرعية الرئيس السوري والـذي انعكس على الهاربين من الموت في سوريا، وعلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها، ويضاف إليها ما يشكّله اللاجئون من ضغط ديمغرافي “سنّي” يتشارك فيه حزب الله والتيار الوطني الحر.
فإطالة أمد اللجوء ستؤثر على التركيبة الطائفية اللبنانية، وأي تغيير في لبنان الذي يعتمد ديمقراطية المحاصصة الطائفية يعتبر خطا أحمر. فمشكلة النازحين وبقائهم تؤهّل لانهيار لبنان بتركيبته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والديمغرافية، وتصل حدودها إلى زعزعة أسس العيش المشترك بين الطوائف اللبنانية المتعددة، والتي تم التعبير عنها بسلسلة من الاعتداءات والاعتقالات وتمت تغطيتها بانتشار المجموعات الإرهابية بين صفوف اللاجئين، ففي مارس من العام 2014 اقتحمت فرقة من الجيش اللبناني عددا من مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال واعتقلت ما لا يقل عن 450 لاجئا سوريا بينهم أطفال، وتكررت المداهمات والاعتقالات في سبتمبر 2015 وطالت 653 سوريا وأسفرت عن إصابة أربعة أشخاص بينهم امرأة، وقد أشار تقرير الرصد اليومي لـ”الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين” في 4 يوليو 2017 إلى أن عدد المعتقلين بات يقدر بأكثر من خمسة آلاف معتقل موزعين على سجون سرية وعلنية في لبنان.
المداهمات الجديدة التي عدّها حزب الله استكمالا للجهود الأمنية في التعامل مع التهديد الإرهابي والقضاء عليه، كانت مسبوقة بدعوات متكررة طالب فيها حزب الله الدولة اللبنانية بوجوب إعادة أعداد كبيرة من لاجئي عرسال إلى سوريا، والإعلان عن إنشاء منطقة آمنة في القلمون برعاية حزب الله والنظام، وذلك لفتح المنافذ الدبلوماسية الرسمية المغلقة بين بيروت ودمشق للتفاهم والتنسيق على إعادة النازحين إلى مناطقهم، والتي تتطلب إعادة العلاقات كشرط لحلّ مشكلة اللاجئين.
لكن من دون رعاية الأمم المتحدة أو في غياب اتفاق دولي سيتعرّض لبنان لضغوط تتعلق بالواقع الإقليمي والدولي وإبقاء الملفّات عالقة إلى حين إيجاد حلول للحرب في سوريا، وبالواقع الداخلي اللبناني فإخراجهم القسري ستكون له تداعياته في توتر العلاقة بين المكون السني وبين الجيش والقيادات العسكرية باعتبارها مرهونة لقرارات حزب الله، أما انعكاساتها الأشد فستكون على اللاجئين الذين باتوا بين خوفين؛ الخوف من عمليات الدهم التي أجراها الجيش وقتل موقوفين تحت التعذيب وإن كان الجيش نفى ذلك مؤكدا أن وفاتهم حصلت بسبب أمراض مزمنة، والخوف من العودة فالكثير منهم مطلوبون في دمشق، إما لاتهامات سياسية أو لحمل السلاح أو للتهرّب من الخدمة العسكرية، وعودتهم تعني الاعتقال أو السوق الإجباري والذي اعتبر أقل الشرور لمن باشروا العودة إلى سوريا.
فصول متنوعة من المآسي يعيشها اللاجئون السوريون، فبلدهم لم ينصفهم وكذلك البلد الأقرب وهو لبنان، حيث إنهما في مقياس الجغرافيا والتاريخ يعتبران شعبا واحدا في دولتين، كما أن الطائفية السياسية والدينية الرائجة في كلا البلدين كانت لها كلمتها الفصل في هول الانتهاكات لإنسانية السوريين والتي ستدفعهم إلى القبول بأي مفاوضات ومساومات سياسية مهما كان سقفها منخفضا.
المصدر : العرب