على خلاف سلفه أوباما، لا يملك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدرة على تفسير ما تدور عليه فلسفة سياسته الخارجية. ولكن وفاضه ليس خالياً من الأفكار. ففي الأشهر الأخيرة، سألتُ عدداً من المقربين من الرئيس وصف عقيدة ترامب. وكنت أسعى إلى فهم الطبيعة الثورية لمقاربة ترامب شؤون العالم.
والمسعى هذا رجحت الحاجـــة إليه وأهميته مع مبادرة ترامب إلى تفكيك التحاف الغربي الذي تقوده بلاده، وزادت كذلك أهميته (المسعى هذا) تحديداً مع إطلاق ترامب من دون إعداد ولا حتى إلمام ضئيل بالملف، مفاوضات نووية معقدة مع نظام غريب ومتحجر.
ولكن الفوضى الترامبية في الواقع ترتكز الى دعائم رؤية الى العالم شاملة ومعقولة، يقول عدد من الخبراء. والباحث توماس رايت من معهد بروكينغز كتب في مطلع 2016 أن رؤى ترامب واضحة ومفهومة، ونشر تحليله هذا في وقت كان الإجماع في مؤسسات وهيئات السياسة الخارجية الأميركية على أن ترشيح ترامب دعابة. وكتب رايت أن ترامب يزدري النظام الدولي وسيعمل ضده، وأنه يعتقد أن النظام الاقتصادي العالمي مجحف في حق أميركا، وأنه يميل بالسليقة إلى الزعماء المستبدين الأقوياء. والحق يقال يبدو أن رايت تنبأ بسياسة ترامب. وما يقوله المقربون منه مفاده أنه في السنة الثانية من ولايته الرئاسية سيلتزم معتقداته، وأن سبحة التغييرات المزلزلة ستكر في الأيام المقبلة. لذا، تلح الحاجة أكثر فأكثر إلى فهم عقيدة السياسة الخارجية الترامبية. وأفضل ما يوجز عقيدة ترامب هو ما قاله مسؤول بارز في إدارة الرئيس الاميركي: «لا أصدقاء، ولا أعداء».
وأوضح المسؤول أن المقصود بالعبارة هذه ليس من فروع السياسة الواقعية وليس مفاده أن أميركا تربطها أحلاف متغيرة ومتقلبة، ولا ترتبط بصداقات دائمة. فترامب لا يؤمن بأن على بلاده الانضواء في أي حلف. «علينا أن نشرح له أن الدول التي جمعنا بها التعاون والعمل المشترك في الماضي تتوقع مبادلتها المثل والوفاء، ولكنه لا يعتقد أن (الماضي) هو عامل يُحتسب في المعادلة (اليوم)»، قال المسؤول. وثاني أفضل وصف لعقيدة ترامب هو ما سمعته من مسؤول رفيع في جهاز الأمن القومي: «زعزعة مزمنة للاستقرار تصب في مصلحة أميركا (وتشرع الفرص أمامها)». فاختلال توازن الحلفاء والخصوم على الدوام يخدم لا مناص مصلحة أميركا- وهي الأقوى على وجه المعمورة.
ولكن زبدة عقيدة ترامب سمعتها من مسؤول بارز في البيت الابيض. وحين بدأت الكلام معه قبل أسابيع، قلت على سبيل التمهيد أن عقيدة ترامب على الأرجح لم تنعقد بعد ولم تجل على صورة واضحة. فرد بنفي قاطع قائلاً عقيدة ترامب موجودة، وهي «نحن أميركا، يا أولاد الزانيات». وفسر العقيدة هذه: «أوباما كان يعتذر من الجميع على كل شيء… ولكن الرئيس ترامب لا يشعر أنه مدين باعتذار عن أي شيء تفعله أميركا». وشرح مسؤول آخر العقيدة هذه، قائلاً إن ترامب يرى «أننا أميركا، ولا مناص من قبولنا على ما نحن»، ولسان حاله إما «يقبلون أم يرحلون». وليست عقيدة «نحن أميركا يا أولاد…»، صنو الازدراء فحسب ولا مرآة ثقة جماعية مطلقة في النفس فحسب، بل هي كذلك في مثابة رائز رورشاخ يرى فيه أتباع ترامب أن الرئيس يوجه الوسطى إلى عالم مجحف وبارد لم يعد يحترم قوة أميركا وامتيازاتها. ولخص صديق من أصدقاء ترامب العقيدة هذه بالقول إنها خلاف عقيدة أوباما ولسان حالها: «تباً لعقيدة أوباما».
المصدر : الحياة