قبل لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في 16 يوليو/ تموز الحالي في هلسنكي، لا بد من “نهايةٍ” لملفات عدة، خصوصاً في سورية، وتحديداً الملف الإيراني. لم يعد خفياً أن الروس والأميركيين يشتركان في ضرورة تحجيم الدور الإيراني في سورية، وفقاً لما أدلى به نواب إيرانيون ووسائل إعلام إيرانية أخيرا. لم يعد الدور الإيراني تفصيلاً بالنسبة للثنائي. يعلم الجميع أن للأميركي والروسي أولوية مطلقة في الشرق الأوسط، اسمها “إسرائيل وأمنها”، وهو ما سمح للروس تحديداً في فعل كل ما يريدون لإبقاء النظام السوري صامداً، من دون أن يلقوا ردّ فعل دولي.
أسباب عدة تدفع إلى إبعاد الإيراني من سورية، من جنوبها في البداية. أولاً أن الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية وحليفة لإيران في سورية لم تتوقف، والردّ الإيراني لم يكن كافياً لردع الهجمات الإسرائيلية. ثانياً، أعطى رئيس النظام السوري بشار الأسد الأولوية للروس في إعادة إعمار سورية، لا الإيرانيين. ثالثاً، علم الروس، وعلى الرغم من اتفاقهم في أستانة مع الإيرانيين، أن نهاية العملية السياسية السورية لن تكون لا في أستانة الكازاخية، ولا في سوتشي الروسية، بل في جنيف السويسرية، عبر اللجنة الدستورية. في المقابل، يعلم الإيراني أن الضائقة الاقتصادية أكبر عدو له في الداخل، خصوصاً مع تراجع قيمة العملة المحلية (التومان) بفعل العقوبات الأميركية على البلاد.
عليه، ستكون المرحلة الفاصلة بين اليوم، الاثنين، ويوم قمة ترامب وبوتين في 16 يوليو/ تموز الحالي، حاسمة، فعلى صعيد المعارك في درعا، هناك نية روسية بإنهاء المعركة قبل القمة، والتأكيد لترامب أن وجود قوات النظام السوري على معبر نصيب، على الحدود السورية ـ الأردنية، واستطراداً الجنوب السوري، بات أمراً واقعياً، وأن “التراجع الإيراني بات حتمياً”. بالتالي، يبقى أمام إيران حل من ثلاثة: التراجع نسبياً والاكتفاء بما قد يُمنح لها في إعادة إعمار سورية، شرط عدم خرق بنود العقوبات الأميركية، مواصلة معركة إثبات الوجود مهما كلّف الأمر، ومهما بلغ مدى ساحات المعارك، ومهما بلغت الخسائر، الانسحاب من سورية، مع ما يعنيه من خسارة أكيدة في اليمن، وخسارة سياسية في العراق.
بالطبع، يدرك من راقب مسار إيران منذ ثورة الخميني عام 1979 أنه أمام دولةٍ لم تتصرّف بغير منطق “تصدير الثورة”. تنطلق الحاجة لديمومة إيران من مسألة “التصدير” لا “الانكفاء”. وفي حال انكفأ الإيرانيون عن التصدير، تكون نهايتهم ونهاية ثورتهم. مع العلم أن قرار المواجهة في سورية شكّل مستنقعاً للجميع من دون استثناء. وبما أن الأميركيين هم الطرف الأقوى في المعادلة حالياً، وحتى إشعار آخر، فالسؤال الأهم: كيف ستتصرّف إيران؟
هناك اعتقاد بأن الإيراني لطالما لعب على عامل الوقت، معتمداً على ظروف سياسية ـ اقتصادية ـ اجتماعية تمسّ بخصومه. بالنسبة إليه، ترامب مستعجل قبل انتهاء ولايته في عام 2020، كونه ليس مضموناً فوزه بولاية ثانية. كما أن بوتين، وفي غياب أي ضغط أميركي، سيقبل وجودا ضمنيا إيرانيا في سورية، بعيداً عن الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. وقد يسمح عامل الوقت للإيرانيين بالأمل بوجود رئيس مختلف عن ترامب، يسمح بإعاة العمل بالاتفاق النووي بشكله الحالي، وهو أمر صعب، على اعتبار أن كل المؤشرات تدلّ على أن الولايات المتحدة في طور مرحلةٍ انتقالية يقودها ترامب، ستنتهي بتبنّي أي رئيس مستقبلي خياراته.
عليه، يعمل الأميركيون على محاصرة إيران شيئاً فشيئاً، لإخضاعها. لا يعمل الأميركيون من أجل تحقيق انقلابٍ على النظام الحالي، فهم سيقبلون بأي نظام شرط تلبيته شروطهم. الأمثلة كثيرة في العالم، وآخرها كوريا الشمالية. بالتالي، ستكون القمة في هلسنكي مفصلية للإيراني قبل غيره، والملفت أنها ستُبقي على الأسد رئيساً لسورية.
المصدر : العربي الجديد