يحلو لنظام الأسد وحلفائه ومؤيديه، القول إن نظام الأسد انتصر على السوريين، وإن جيشه في طريق استعادة السيطرة على الأراضي السورية، التي خرجت عن سلطته في السنوات الماضية، بعد أن أعلن السوريون ثورتهم على نظام الاستبداد والقتل، وسعياً من أجل الحرية والعدالة والمساواة.
وإذا كان النظام أول أطراف مروجي فكرة «الانتصار»، فلا بد من استعادة شعاره الأول الذي أطلقه عند بدء حركة الاحتجاج الشعبي في مارس (آذار) 2011، والقائل: «الأسد أو نحرق البلد»، كاشفاً عن طبيعته التي تربط بقاء سوريا والشعب السوري ببقاء شخص على رأس نظام، أثبت عدم قدرته على إدارة البلد، وخلق فيها شروطاً وظروفاً وضعتها في مصاف الدول الفاشلة، ودفعت السوريين للخروج في مواجهة القتل والاعتقال والتهجير، الذي تكفلت به أدوات النظام الأمنية والعسكرية وشبيحته، وقد أطلق النظام – بعد أن أعطاهم سلطة خارج القانون – أيديهم في كل ما يصلون إليه، فيقتلون ويعتقلون ويهجرون، دون أي ضابط قانوني أو أخلاقي أو اجتماعي، ودون أي محاسبة في أي مستوى كان. كما أطلق العنان لأطماعهم في أعراض السوريين، ليتم انتهاكها بصورة واسعة، بالتوازي مع أطماعهم في ممتلكات غيرهم، عبر الاستيلاء والمصادرة والسرقة والتدمير، وفتح النظام الباب أمامهم للتلاعب بما تبقى من «المجتمع والدولة» عبر الفساد المالي والإداري والرِّشى وتجارة المخدرات والدعارة، فحولهم إلى طبقة من أصحاب السلطة والمال الذين لا قدرات لهم سوى تمجيد النظام، وارتكاب ما أمكن من جرائم تصب في هدف بقائه.
ويشكل الروس والإيرانيون وميليشياتهم الطرف الثاني في قائمة مروجي فكرة «انتصار الأسد». وطوال سنوات، كانوا قوة دعمه ومساندته في المستويين الخارجي والداخلي، وأعلنوا مرات كثيرة، أن تدخلهم إلى جانب نظام الأسد، شكل قوة حمايته من السقوط في وجه السوريين، ولعب الروس دوراً بارزاً في حماية النظام في مجلس الأمن الدولي، بإعلان «الفيتو» ضد أي قرارات كانت تستهدف سياسات النظام وجرائمه، مما شل الإرادة الدولية عن اتخاذ قرارات حاسمة، ثم جاء تدخلهم العسكري أواخر عام 2015، فشكل انقلاباً في موازين القوى العسكرية والسياسية في الصراع السوري، ووضع النظام (مع عوامل أخرى) على قاعدة استعادة مناطق كانت خارج سيطرته. فيما قامت إيران وميليشياتها بدور الداعم بالقوات، فعززت قوة النظام الميدانية، إضافة إلى أشكال واسعة المجالات من الدعم السياسي والاقتصادي لنظام فقد معظم قدراته.
وبطبيعة الحال، فإن الروس والإيرانيين، لم يقدموا دعمهم الهائل، وسعيهم لـ«انتصار الأسد» خارج حدود مصالحهم، ولم يصبحوا بفعل ذلك أصحاب القرار السوري فقط؛ بل حصلوا على مكاسب مباشرة، بينها قواعد عسكرية، وتأسيس أدوات وبنى اجتماعية حليفة، والحصول على امتيازات اقتصادية وعقود استثمارية. بل الميليشيات التابعة لهم شاركت في عمليات نهب الموارد السورية الفردية والجماعية، عبر إطلاق يدها في الواقع السوري، وجميعه مرهون باستمرار النظام ورئيسه في السلطة. والقول بـ«انتصاره» يعني الحفاظ على ما تحقق لهم من مكاسب، وإمكانية تطويرها في المستقبل، وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار المقبلة.
غير أن القول بـ«انتصار الأسد» أو التبشير به، لا يقتصر على أطراف التحالف معه. فثمة مجموعتان تسيران على الخط ذاته: أولهما أنظمة ودول، يوفر لها بقاء النظام مصالحها، كما في المثال الإسرائيلي الذي اختبر على مدار العقود الماضية مصداقية النظام في الحفاظ على أمن إسرائيل، عبر التزامه باتفاقية فصل القوات على الجولان 1974، وجدد النظام أسس تلك العلاقة في عدم رده على هجمات على أهداف سورية وأهداف حليفة من جانب إسرائيل، وانصياعه لشروطها في ذهابه إلى معركة استعادة جنوب سوريا من يد المعارضة المسلحة.
والمجموعة الثانية من السائرين على درب القول بـ«انتصار الأسد»، تنظيمات وجماعات سياسية وشخصيات عربية وأجنبية، ما زالت أسيرة رؤاها الآيديولوجية والسياسية من مختلف الاتجاهات، منعها العمى الآيديولوجي والسياسي المتأصل من رؤية حقائق الصراع السوري وجرائم النظام وحلفائه، والمواقف الإقليمية والدولية العاجزة والمتساهلة، وما زالت ترى النظام تقدمياً ممانعاً وضد إسرائيل والإمبريالية، وغيرها من المعزوفات التي انكشفت أكاذيبها بصورة فاضحة.
ولعله من المفيد الختام بما نص عليه الدستور السوري، الذي عدله نظام الأسد في عام 2012، لرؤية التناقض بين محتواه وما صارت إليه الوقائع السورية الراهنة التي تكذب كل واحدة من فقراته، حيث يقول إن سوريا «دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها»، والنظام «في الدولة نظام جمهوري. السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب»، وأن النظام السياسي، يقوم «على مبدأ التعددية السياسية»، و«تتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع»، وأن «الحرية حق مقدس، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم»… وصولاً إلى: «للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً، والإضراب عن العمل، في إطار مبادئ الدستور»!
المصدر : الشرق الأوسط