وصلت الثورة السورية إلى منعطفٍ خطير، وضاعت ملامح حلٍّ يفرضه الشعب، لتصبح الشجاعة والإقدام والأمانة والقدرة على الإدارة وتحمل الصعاب ما يبحث عنه الشعب السوري. وهناك فرق كبير بين من يبحثون عن معجزةٍ إلهية أو قرار خارجي للخلاص ومن يبحثون عن منقذٍ تتوفر فيه هذه الصفات، وليست سورية الثورة محتاجة إلى معجزةٍ، لأن الله عز وجل حباها بخيرة الرجال الذين صنعوا المجد والفخار، وضحّوا بأرواحهم، لأجل رفع رايتها خفاقةً في سماء الحرية، ولمقاومة نظام الاستبداد والفساد والتمجيد والولاء والتوريث والعائلة الواحدة والشخص الواحد، ولرفع عناوين السلام والاعتدال وحفظ البلاد وأهلها ونسيجها من الانزلاق نحو المجهول.
وفي ذلك كله، سورية أمانة في رقاب من عهدهم الناس، ووثقوا بهم، ولو أن ساسة سورية، ومن تبوأوا المشهد السياسي والإعلامي والاقتصادي والثقافي، صدقوا ما عاهدوا الله والناس عليه، لما وصلنا إلى هذا الحال. ولو حملوا الحس الوطني، لما حصل البلاء الذي جرّ البلاد والعباد إلى هذه الفوضى، وكنا اختصرنا جزءاً من العذاب، وما عدنا إلى الوراء كل هذه الأشواط، ننتظر المنقذ الذي يعبّد الطريق، ليمر السوريون إلى ضفاف الأمان والحرية والكرامة، منقذاً يمسك بزمام الأمور، وينصت إلى من يشاركونه القيادة، ولما يريده الشعب، ويتخذ بشجاعةٍ القرارات الحاسمة، بحكمةٍ وأمانة.
تعب الشعب السوري من كل شيء، إلا من ثورته وغايته في تحقيق هدفه، فمن المستحيل أن ترى سورياً حقيقياً يتنازل عن مطالب الشعب. وعلى الرغم من كل التخوين من الانتهازيين والوصوليين وأتباع النظام، ومن كل الفقر والعوز والتشرد والتهجير والحرمان، إلا أن التصميم يزداد قوة في نفوس الجميع. وللنصر عوامل عدة، لا يتحقق إلا باجتماعها، منها:
الإيمان بعدالة القضية التي يضحى في سبيلها لتحقيق النصر فيها. وهنا قوة هذا الشعب الذي أمضى خمس سنوات، ودخل في عامه السادس، وما زال يقدّم ويقدّم، وازداد إصراراً وتماسكاً في مواجهة الطغيان المتآمر على ثورته اليتيمة.
القيادة الواعية والأمينة التي تعمل لصالح البلد ونصرها، فيؤمن الشعب بها، وبقدرتها على تحمل مسؤولية قيادة الشعب والثوار. وهذا ما افتقدناه في الثورة، فلم يكن “الائتلاف”، وقبله “المجلس الوطني”، إلا أداة لإحساس المواطن السوري بأن أرضه معروضة لقراصنة السياسة، وحدهم يقرّرون مصيرها، ووحدهم أحق باقتسام سلطتها. والواعون الصادقون مخوّنون، أو ينتظرون متردّدين، بعيدين عن اقتحام الساحة السياسية، لأنهم فقدوا الثقة بإصلاح ما تم إفساده.
وحدة الشعب وتفانيه في الالتفاف حول قضيته الكبرى، بحيث يكون الجميع، بمختلف توجهاتهم واعتقاداتهم، راية واحدة، ما يعطيهم الصمود في وجه التحديات الكبرى والمؤامرات المختلفة، فالأمة غير الموحدة حول قضاياها مهزومة، والوحدة من أهم العوامل المؤثرة في بلوغ النصر وتحقيق الظفر. مضافاً إلى ذلك أن فيها رضى الرب وعزّة الأمة، فيجب توحيد صفوف جميع أبناء سورية وكتائبها وفصائلها، وشحذ هممهم الوطنية والإيمانية وطاقاتهم، لمقاومة الاحتلال وسلطته وعملائه، وتشكيل جبهة واحدة تحت راية واحدة.
من يقوم بهذا العمل الوطني الكبير، فإنه، وفريق عمله، يجب أن يكونوا مؤمنين بأنه ليس منةً منهم على أحد أو فضلاً يقدموه، وإنما ينطلق من المسؤولية الوطنية والأخلاقية النابعة من الحرص العميق على خدمة الوطن وأهله.
ولسنا، هنا، بصدد ذكر مزايا الدكتور رياض حجاب، فالمعروف لا يعرّف، ويثمّن أهل الساحل السوري عالياً مواقفه، وقد عرفوه في أثناء الثورة في اللاذقية محافظاً. وللحقيقة، الأعباء والمهام جسيمة. ويعلم الجميع أن نهاية المفاوضات قد تحمل، على الأغلب، الفشل. ولكن، هل أعددنا الخطة البديلة على يد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
تحتاج سورية كل ساعدٍ وعقلٍ وإرادةٍ للمساهمة في التخلص من الاستبداد والظلم وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، وإحداث تنميةٍ شاملةٍ والمباشرة برسم ملامح المستقبل. وليعلم الجميع أنها ستكون الوطن الذي يتسع لكل أبنائه، وليؤكدوا للعالم الذي يتابع مجريات الأحداث بأنهم شعبٌ متحضرٌ، يعشق الحرية ويستحقها ويقدّرها ويدافع عنها. فهل أنت فاعل، يا دكتور رياض حجاب، خصوصاً بعد أن اكتسبت المصداقية والثقة من الشعب؟
المصدر : العربي الجديد