مقالات

هشام ملحم – مئوية علاقة اسمها سايكس – بيكو

تربيت مثل معظم افراد جيلي من العرب على مقولة ان اتفاق سايكس – بيكو هو المصدر الرئيسي لمصائب العرب، وتحديداً المنطقة التي تسمى أحيانا الهلال الخصيب، لان الحدود الاصطناعية التي رسمتها الدول الاستعمارية التي ورثت تركة الامبراطورية العثمانية خططت لبروز دول ضعيفة ومفككة تسمح لها بصون مصالحها الاستعمارية في المنطقة.

 

ومع مرور الزمن، اصبحت عبارة “سايكس- بيكو” علّاقة مفيدة للحكام، وللكثير من المفكرين العرب، لتفسير المآسي والكوارث التي حلّت بدولهم خلال قرن كامل. عبارة “سايكس – بيكو” تحولت الى اسطورة ومعلم تاريخي يفسر ما قبله وما بعده. العبارة اصبحت رمزا للعرب يفسر شعورهم (المبرر والحقيقي في هذه الحال) كضحية لخيانة الوعود الاوروبية لهم بالاستقلال، وتحديداً الوعود البريطانية الخبيثة والمتناقضة التي قطعت للعرب وللحركة الصهيونية والمتعلقة بمستقبل فلسطين.

لكن اتفاق سايكس – بيكو لم يوجد معظم الحدود الحديثة للهلال الخصيب (كان الاتفاق على تقاسم مناطق نفوذ بين فرنسا وبريطانيا)، وهو لم ينفذ بمعظمه، لا بل ان الوزير البريطاني سايكس (الذي وقعه بقلم رصاص، عكس نظيره الفرنسي بيكو)، بدأ بمحاولة تقويضه فور توقيعه اياه. ولكن معظم حدود الهلال الخصيب رسم لاحقاً كحصيلة لمؤتمر باريس للسلام، واتفاق سيفر، واتفاق لوزان، ومؤتمر سان ريمو، ووعد بلفور للحركة الصهيونية.

وليس صحيحاً ان معظم هذه الحدود كان اعتباطياً، لانها تنسجم الى حد ما مع حدود الولايات الادارية التي كانت سائدة في ظل الامبراطورية العثمانية . الواقع هو ان معظم الحدود في العالم “اصطناعي” ولا ينسجم مع المعالم الجغرافية مثل الانهر والجبال، ويضم في داخله أكثر من قومية ولغة ودين. المنطقة عرفت النزاعات الاتنية والطائفية قبل سايكس – بيكو، والنزاعات المذهبية اليوم لم تتسبب بها الحدود الاصطناعية، بل الانظمة القمعية التي تمثل مصالح فئات محددة.

الواقع هو ان الطغاة العرب، ومنظري الحركات القومية (العربية والسورية)، استغلوا اتفاق سايكس – بيكو ليبرروا اخفاقاتهم التاريخية في بناء دول حديثة ومؤسسات الدولة المدنية القائمة على التمثيل الحقيقي لمكونات هذه الدول، وعلى ايجاد السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية المستقلة واحترام حقوق الانسان. المشكلة ليست في الحدود، بل في ما حدث وما لم يحدث داخل هذه الحدود. الاخفاق هو اخفاق الانظمة الحاكمة التي تعاقبت في هذه الدول مدى قرن كامل.

هل كان العراق ليكون في وضع أفضل لو كان الاردن أو الكويت جزءاً منه؟ هل كانت سوريا لتكون أفضل لو كان شمال شرق لبنان جزءاً منها؟ الارجح لا. ماذا كان سيحدث لم لم يرث الانتداب البريطاني – الفرنسي الامبراطورية العثمانية؟ الفوضى والعنف على الارجح.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى