أطلق توماس مير النار على عضو مجلس العموم البريطاني جو كوكس فأرداها، وعندما سأله قاضي محكمة وستمنستر عن إسمه قال “إسمي الموت للخونة… الحرية لبريطانيا” لكن ما جرى منذ عملية الاغتيال قد يقرر الخط الذي تختاره بريطانيا غداً الخميس في الاستفتاء على بقائها في الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه.
هل تتحول دماء النائبة العمالية كوكس التي اغتيلت وهي في طريقها الى اجتماع في دائرتها الإنتخابية في بيرستال، رباطاً يبقي بريطانيا في الإتحاد الأوروبي، خصوصاً انها كانت مؤيدة متحمسة للبقاء وداعمة لقضية اللاجئين؟
ما يدعو الى طرح السؤال ان أرقام مؤيدي الخروج من الإتحاد تراجعت في الايام الاخيرة، بعدما كانت قد تجاوزت ٥١٪ الأسبوع الماضي، ثم جاءت المؤشرات الإقتصادية لتؤكد ان المزاج البريطاني سيذهب في إتجاه إختيار البقاء، بدليل ان الجنيه الإسترليني سجل ارتفاعاً لافتاً ازاء الدولار بعدما كان قد تراجع في الأسابيع السابقة بنسبة توازي ارتفاع نسبة مؤيدي الخروج من الإتحاد.
لهذا هل يصبح إغتيال النائبة الشابة نوعاً من رباط الدم لإبقاء بريطانيا في الإتحاد الذي لم تكن متحمسة له دائماً، وقد دخلته على رؤوس الأصابع حذراً عام ١٩٧٣، بعدما رُفض طلب عضويتها مرتين بسبب رفض شارل ديغول على رغم انه كان قد حرر فرنسا من الأراضي البريطانية!
حتى عندما أدخل هارولد ماكميلان بريطانيا الى الإتحاد إشترط بقاء حريتها خارج الاورو محتفظاً بالجنيه الإسترليني وخارج الحدود المفتوحة وفقاً لشنغن. ومنذ حط باراك اوباما في لندن قبل عشرة ايام قائلاً: “لا معنى لأوروبا موحدة اذا لم تكن المملكة المتحدة في القلب منها”، إشتعلت أحاسيس الأنفة عند البريطانيين، الذي يرون أنهم هم من يسدي النصائح لا من يتلقاها، وإرتفعت نسبة مؤيدي الخروج ثم عادت الى التراجع مع إغتيال كوكس وتراجع قيمة الجنيه ازاء الدولار.
منذ نشوئه في ١٨ نيسان من عام ١٩٥١ واجه الإتحاد الأوروبي كثيراً من الأزمات التي قلصت الطموحات الديغولية الى أن تكون له بصمة مؤثرة وشريكة في القرار الدولي، وان يمثل قوة ثالثة وازنة في مواجهة معادلة “الإستقطاب الثنائي” الذي فرض في حينه هيمنة أميركية – روسية على الإتجاهات الدولية. ومنذ عام ٢٠٠٨ غرق الإتحاد في سلسلة من الأزمات الإقتصادية المنهكة لا تقتصر على اليونان بل تهدد إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وحتى فرنسا.
ومع إرتفاع اسهم أحزاب اليمين زادت نسبة الراغبين في الخروج من القطار الأوروبي، ثم جاءت الخلافات على موضوع اللاجئين لتزيد هذه الرغبة، ويأتي الإستفتاء غداً ليقرر مستقبل الإتحاد ومستقبل المملكة المتحدة [بريطانيا – اسكوتلندا – إيرلندا – ويلز] ومستقبل ديفيد كاميرون الذي وضع كل رهاناته على البقاء!
المصدر : النهار