حاولتُ في مقالتي في “العربي الجديد” (27/6) أن أثير النقاش بشأن المسألة الكردية المطموسة في سورية، سواء في خطابات النظام أو في خطابات المعارضة، وكتبت أنني سأحاول أن أتحدث من خارج الرؤى النمطية أو الصناديق المغلقة التي تعوّدنا عليها. بيد أن من المؤسف أن بعضهم لا يريد أن يقرأ وأن يناقش، وإنما يريد أن يصادر على غيره حقه في التفكير والنقاش، وتقويله ما لم يقله، بل وأن يفرض عليه رأيه وقناعاته.
هكذا فوجئت بمقالة الزميل محمد رمضان “بين ميشيل كيلو وسميرة المسالمة” (“العربي الجديد”، 11 /7) لا تمت بأي صلةٍ إلى مقالتي، إذ بدا كأنه يناقش نفسه، أو يناقش ما يتخيّل أنني قلته، وليس النص الذي كتبته.
واضح لكل من قرأ مقالتي تلك أنني انطلقت من مقالة كتبها الصديق ميشيل كيلو، أبني عليها، ولكي أبيّن موقفي من المسألة الكردية، بتعقيداتها وإشكالياتها وتبعاتها، وهو ما سأعود إلى الكتابة عنه لأهمية هذه المسألة. وكنت قد انطلقت، في مقالتي، من حق الكرد المشروع، ليس في المواطنة وحسب، وإنما في تقرير المصير كجماعة قومية أيضاً، وأن ما أطلبه لي أو لشعبي أطلبه للكرد أيضاً، وللشعب الكردي. وهذا واضح من دعوتي إلى الاعتراف “بالأخطاء والتقصيرات الحاصلة في التعاطي مع المسألة الكردية”، وفي قولي إنه “لا بد أن ينطلق ذلك، بدايةً، من اعتبار قضية الكرد قضية شعبٍ، له خصوصيته القومية وطموحاته الخاصة التي يجب أخذها بالاعتبار، لأن قضية الحرية لا تتجزأ، ولا يجوز أن نطلب الحرية أو حق تقرير المصير لأنفسنا ونمنعها عن الآخرين، وإنما ينبغي التوصل إلى حلولٍ مناسبةٍ، وفق منظور ديمقراطي وسلمي، يراعي التطورات الاجتماعية والسياسية الحاصلة في مجتمعنا”.
وطرحت، في مقالتي، تساؤلات، علينا كمعارضة سورية وعلى الكرد أنفسهم، أنه ينبغي عليهم توضيح ما يريدون، وأن يفكّروا هل هذا الطريق أجدى وأقرب لهم لتحقيق حقوقهم الفردية والجمعية، أم أنه يأخذهم إلى مخاطر جديدة. وأن على الكرد وكياناتهم السياسية التوضيح إذا كانوا يرون أنفسهم جزءاً من الشعب السوري بكل مكوناته الطائفية والإثنية، أو جزءاً من أمة كردية؟ هل الأولوية للانخراط في مشروع إقامة سورية دولة مواطنين أحرار ومتساوين، دولة ديمقراطية مدنية لكل مواطنيها، أم الأولوية لمشروع الأمة الكردية في سورية والعراق وإيران وتركيا؟ وذكرت أن في وسع الكرد، وبحكم ظروفهم الصعبة، والمعطيات المحيطة، أن ينخرطوا في المشروع الأول، مع حقهم في التعبير عن كونهم جزءاً من أمة كردية، وهي أمة عريقة، وساهمت في تكوين تاريخنا وثقافتنا في هذه المنطقة. وجاء في مقالتي: “أليس الأجدى إيجاد معادلةٍ تضمن التوازن بين الانتماء والخصوصية القوميين والانتماء لسورية، وطناً ومجتمعاً، في نظام ديمقراطي، يتأسّس على دولة مواطنين أحرار ومتساوين، في آن معاً؟”
هكذا، يتضح أنني لم أرد في مقالتي على مادة ميشيل كيلو، وأنني لم أتبنّ مجمل ما طرحه فيها، مع احترامي له، وأنني فقط حاولت أن أنبه إلى إشكاليات المسألة الكردية، وإلى حقوق الكرد، أفراداً وجماعة قومية، وأن الأولى لا تغبّ الثانية، والثانية لا ينبغي أن تغبّ الأولى، وأنني انتقدت موقف المعارضة من القضية الكردية، وقدّمت طرحاً جديداً في هذا الأمر، ودعوت إلى نقاش هذه المسألة المهمة. وهذا ما لم ينتبه له الزميل محمد رمضان، ربما لأنه لم يقرأ مقالتي، أو لأنه أراد أن يقول شيئاً آخر، وهذا يضر بالنقاش، ولا يوصلنا إلى إجماعات وطنية، نحن أحوج إليها، عرباً وكرداً، ومن كل الأطياف والمكونات.
يكتب رمضان: “أكّدت الكاتبة سميرة المسالمة…على ما طرحه ميشيل كيلو بشأن القضية الكرديّة في سورية… وكان أولى على المسالمة البحث عن المكوّن الكردي في المراجع والكتب التاريخية التي دوّن فيها المستشرقون والرحالة ما كتبوه فيها”. والواضح، هنا، أن الكاتب لم يميّز بين اعتباري مقالة ميشيل كيلو مدخلا لمقالتي وما اعتبره تأكيداً على كلامه، كما لم يميز بين المقالة والبحث، أو بين المقالة السياسية والبحث في تاريخ المجتمعات.
الأنكى أن الكاتب يتهمني تعسّفاً (كما ميشيل) بـ”صهر القوميّة الكرديّة في بوتقة القوميّة العربيّة”، وهذه المقولة لم تأت في مقالتي على الإطلاق، ولست مقتنعة بها، فالكرد شعبٌ، بكل معنى الكلمة، حرم من حقه في الهوية والتطور المستقل وتقرير المصير، وهذه قناعتي التي أدافع عنها.
لا أعرف ما هو غرض الكاتب من هذه المغالطات في مقالته، وآمل منه، ومن القراء، العودة إلى ما كتبته في مقالتي تلك للحكم على موقفي، وللمقارنة بين ما جاء في مقالته وما كتبته. يكتب “أخيراً، لا يمكن “حجب الشّمس بالغربال” كما يفعل كاتبانا، ميشيل كيلو وسميرة المسالمة، في وأد كل ما هو جميل بين المكوّنات السّوريّة، في ظل جغرافيا منهكةٍ بعوامل المدّ والجزر من كل أصقاع العالم، بعد أن أصبح المواطن السّوري حقل تجارب بأحدث الأسلحة الفتّاكة”. لا أعرف لماذا يقول ذلك؟ ومن يخدم في هذه الادعاءات؟ أو ما الذي يريد قوله من ذلك؟ فمقالتي موجودة، ورأيي طرحته فيها بكل صراحة، كما طرحته هنا ثانية، ولا يمكن لأحد أن “يحجب الشمس بالغربال”.
يا صديقي، الأجدى أن نطرح الأسئلة الصعبة والمعقدة، وأن نتقبل ونتفهم المختلف فيما بيننا، وأن نبحث عن تعميق المشترك، فهذا هو الأفضل والأصوب، وهو المطلوب لبناء إجماعاتنا الوطنية الجديدة، وتحقيق طموحاتنا واستعادة حقوقنا الفردية والجمعية.
المصدر : العربي الجديد