في الشكل، تذكر المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، بتلك التي حصلت في الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991 عندما حاول ضباط شيوعيون محافظون اطاحة الرئيس ميخائيل غورباتشيوف لكبح التغييرات الكبرى الحاصلة في البلاد.
تلك المحاولة لم تنه الاتحاد السوفياتي فحسب، بل اخرجت الحزب الشيوعي القوي من اللعبة السياسية الداخلية وكذلك عماده الجيش الاحمر، ومهدت تالياً لوصول الاصلاحي بوريس يلتسين الى السلطة وما أعقب ذلك من فوضى عبّدت الطريق لرجل “الكي جي بي” القوي فلاديمير بوتين الى الكرملين.
طبعاً، الاختلافات في الظروف والطبيعة السياسية والاجتماعية كبيرة بين تركيا والاتحاد السوفياتي السابق. لكن السؤال هل يؤدي ما حصل في انقرة بالامس الى النتيجة نفسها التي شهدتها موسكو على المستوى الداخلي؟
بكلام أوضح، هل يمهد الانقلاب التركي الفاشل لكسر شوكة العلمانية الأتاتوركية كما كسرت شوكة الشيوعيين في موسكو في نهاية القرن الماضي؟
وهل يُدّفع الجيش التركي آخر معاقل العلمانية الثمن كما دَفَع الجيش الاحمر الثمن بعد نقله من مصاف المؤسسة العليا المؤثرة الى مصاف المؤسسة المنفذة؟ وهل تطلق “الفرصة التي جاءت هدية من السماء” كما قال اردوغان، العنان لاسلمة شاملة للمؤسسات والبلاد على حساب العلمانية التي لا تنفك تتراجع مكانتها؟ وهل يكون “الخطأ” الذي ارتكبه بعض الضباط ذريعة لإنشاء مؤسسات موازية للمؤسسة العسكرية على غرار “الحرس الثوري” وميليشيات المتطوعين الاسلامية في ايران، خصوصاً أن عملية احباط الانقلاب اظهرت وجود قوتين عسكريتين كبيرتين انصياعهما للرئيس، اقوى من انتمائهما الى المؤسسة الام، أي جهازي الشرطة والمخابرات؟
لا شك في ان غضب اردوغان شديد صارخ ليس فقط على نده غولن والوحدات المتمردة في الجيش بل على كل المؤسسات الاخرى التي لا تزال تشكل مرتعا للعلمانيين ولا سيما منها القضاء. واللافت ان عملية التطهير التي توعد بها لـ”تنظيف” المؤسسات بدأت على حد سواء داخل المؤسستين العسكرية والقضائية من دون اظهار أي دليل على تورط القضاة في الانقلاب.
وإذلال الجيش وضباطه على النحو الذى تكشفه الصور يقوّض هيبته وصيته كأقوى جيش في الشرق الاوسط ، ليس فقط في الداخل التركي حيث تخوض الحكومة حربين ضد الارهاب الاسلاموي وضد التمرد الكردي، بل أيضاً في الاقليم حيث تتطلع انقرة الى مواقع نفوذ تحتاج فيها الى الجيش وخصوصاً مع ظهور ملامح الدويلات الكردية على الرقبة التركية.
أضف ان هذا الاذلال قد يدفع قطاعات واسعة فيه الى محاولة الانتقام. والصدام بين الجيش والأمن والاستخبارات لمصلحة الأخيرين نقطة تحول تذكي روح الانتقام، ولن يتأخر طويلاً. وبين أوضاع قديمة ثبت فشلها وأوضاع جديدة لم تتضح أبعادها، الارجح أن تركيا لن تعود كما كانت.
المصدر : النهار