لا شك في أن الرئيس باراك أوباما تلقّى ضربة بإبطال الكونغرس بمجلسيه حق النقض الذي استعمله لتعطيل قانون “جاستا”. مؤلمة لأن الأكثرية المعطّلة فاقت الثلثين المطلوبين، ولأنها أيضا ضمّت ممثلي الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولأنها أخيرا المرة الأولى التي يخذله فيها الكونغرس. ولا شك أيضا في أن الضربة جعلته يدرك أنه صار فعلا في نهاية ولايته. كما جعلته يقتنع ربما أنه صار “بطة عرجاء” عاجزا عن القيام بأي شيء ملموس، سواء في قضايا الداخل أو في قضايا الخارج.
ولا شك أخيرا في أن ذلك سيجعل الباحثين والمتابعين والمؤيدين له يخفّفون من اقتناعهم بأنه سيمارس سلطاته الرئاسية حتى آخر يوم بكل صلابة وقوّة. فهو من جهة أدرك في قرارة نفسه بعد إبطال “نقضه”، وربما قبله، أنه سيخسر هذه المرة وستكون خسارته شخصية، لكن ما حصل سيعزز فرص حزبه ومرشحته الرئاسية هيلاري كلينتون في الفوز بعد أسابيع قليلة. ومن شأن ذلك تخفيف المرارة التي قد يكون شعر بها.
علما أن ذلك لا يعني أن أوباما سيكون عاجزا عن مواجهة أي خطر قد تتعرض له بلاده ومصالحها وجيشها وخصوصا في مناطق الالتهاب الخطير في الشرق الأوسط؛ إذ في حال كهذا سيتصرف كأنه في اليوم الأول لرئاسته أو في منتصفها، أيا تكن التضحيات والتكاليف والتبعات. وسيقف معه الأمريكيون بانقساماتهم الاجتماعية والجندرية وخلفياتهم الاتنية وميولهم الحزبية والسياسية. وهذا أمر يعرفه أو يفترض أن يعرفه الذين يخوضون مع أمريكا حربا عسكرية بالوكالة في الشرق الأوسط، وحربا سياسية مباشرة وبالوكالة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي. ذلك أن جهله أو تجاهله ستكون له عواقب وخيمة على الجميع وربما على العالم كله.
فالجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي إحدى هؤلاء، تعرف قيادتها العليا -بل الأولى- أنها لن تحظى ولمدة طويلة برئيس أمريكي مثل أوباما متمسّك بهويته الوطنية وبديانته المسيحية ويعرف الكثير عن الإسلام جرّاء جذوره الإسلامية، ويرى الآثار السلبية لتعامل الدول الكبرى ومنها أمريكا مع دول العالم الثالث “المختلفة” معها، سواء بالعرق أو باللون أو بالدين. وهي تعرف أن ملفها النووي ما كان ليُحّل من دون أن تلحقه أضرار جسيمة باستثناء تأخير موعد إنتاج سلاح نووي لولا أوباما، وما كان الباب شرّع أمامها لدخول المجتمع الدولي.
لكن تصرّفها مع أمريكا التي يترأسها وسيبقى رئيسها حتى 20 كانون الثاني المقبل لم ينطلق من الموقفين المشار إليهما، بل من إصرار على رفض التعاون معها لتهدئة المنطقة المشتعلة وعلى فرض مشروعها عليها. وحيّر ذلك المراقبين والمتابعين والمحلّلين والقادة والسياسيين في العالم لأنهم عجزوا عن إيجاد سبب واضح لهذا الموقف الخاطئ في رأيهم والمناقض للمصالح الإيرانية قبل المصالح الأمريكية وغيرها، وربما جعلهم يتساءلون اذا كانت وحدة الصف الداخلي لأهل النظام الإيراني لم تعد متماسكة، جرّاء بروز قوى متنافسة على السلطة والتشريع والمكاسب وعلى “الدين” في أوساط العلماء الإصلاحيين وأوساط العلماء المتشددين وأوساط السياسيين المعتدلين والمحافظين، كما في أوساط القوى الأمنية والعسكرية و”الحرس” وداخل كل منها.
واذا صحّ هذا الأمر، فإن العواقب ستكون صعبة، أولا لأن إيران تخوض حربا ضروسا في المنطقة لن تستطيع ربحها وسيعجز أعداؤها عن ربحها أيضا. وهي فيها بحاجة ماسة إلى روسيا. ويحتمل أن يضرب ذلك الصفة الأهم لإيران الإسلامية وهي استقلاليتها المطلقة عن أي قطب دولي كبير. فاستعمال قاعدة همذان العسكرية من الطيران الحربي الروسي قد يتكرر لخدمة “مشروع إيران في سوريا”. وهو قد يتكرر كما قد تفرض الحاجة إقامة قواعد روسية على أراض إيرانية.
ثانيا، لأن البديلَيْن من أوباما في البيت الأبيض أسوأ من بعضهما بالنسبة إلى ايران. علما أن نسبة السوء عند ترامب قد تكون أكبر منها عند كلينتون.
لذلك كله قد يكون على ايران وضع بعض الماء في “عصير عنبها”، لا في نبيذها، كما يقول المثل؛ لأنه “مُنكر”، والاستعداد للمرحلة المقبلة بقلب مفتوح وعقل أكثر انفتاحا من أجل احتواء خطر ترامب إذا وصل أو احتواء “صقورية” كلينتون إذا فازت، والعمل معا لوقف الحريق الذي لن يوفّر أحدا استمراره، بدءا من روسيا، ومرورا بدول العالم العربي، وانتهاء بإيران.
ما هو أثر “الضربة المؤلمة” من الكونغرس على المملكة العربية السعودية؟
المصدر : النهار