أعلن من موسكو البيان المشترك لوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران، وبالطبع إن إعلان تركيا التي هي عضو في حلف الشمال الأطلسي وتنتمي إلى التكتل الغربي لبيان مشترك مع روسيا وإيران هو أمر في غاية الأهمية.
وهناك عناصر إيجابية في البيان كوحدة الأراضي السورية، تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، إجلاء المدنيين في شرق حلب وتطبيق وقف إطلاق النار الذي صدر عن مجلس الأمن منذ عام.
وفي هذه النقطة علينا أن نتذكر كيف اعترضت روسيا في مجلس الأمن واستخدمت حق النقض “الفيتو” ضد وقف إطلاق النار في مدينة حلب بينما كان يقتل فيها العديد من الأطفال والأبرياء أما الآن وقد خرجت قوات المعارضة من مدينة حلب تريد روسيا وإيران وقف إطلاق النار وليكن ذلك كي لا يقتل المزيد من الناس فتركيا تدعم وقف إطلاق النار في كل الظروف ولكن سبب تذكيري بذلك هو أن روسيا وإيران يحددان موقفهما بحسب الوضع العسكري في سوريا. والبيان المشترك هو نتاج هذه السياسة.
مصير الأسد
عند النظر من الناحية التركية لبيان موسكو المشترك فإنه يعكس تغيراً حاداً في السياسة التركية تجاه الملف السوري.
فبحسب البيان الصادر عن المؤتمر الصحفي لوزراء خارجية الدول الثلاث فإن المادة الخامسة للبيان كانت على الشكل التالي “أعلنت كل من روسيا وإيران وتركيا عن استعدادهم لتسهيل المفاوضات المحتملة بين الحكومة السورية والمعارضة وعن استعدادهم في أن يكونوا الضامن لتطبيق الاتفاقيات التي ستخرج منها المفاوضات.
ولكن تركيا ومنذ بدء الحرب السورية في آذار من عام 2011 أعطت الأولوية لأن يرحل الأسد أولاً وحتى إن الدول الغربية كانت قد تركت هذا الموضوع وراء ظهرها وحتى إن مقولة “العزلة الثمينة” كانت قد قيلت من أجل الدفاع عن هذا الموضوع. والآن تريد أنقرة أن تكون الضامن مع إيران وروسيا لما سيخرج عن المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة.
ماهي التنظيمات؟
وكان مما يلفت النظر أيضاً في البيان هو تسمية تنظيم داعش والنصرة فقط بالتنظيمات الإرهابية وحتى أضيف على ذلك أنه يجب فصل بين الجماعات المسلحة من المعارضة وبين هذه التنظيمات وهذا يضيف شرعية لهذه التنظيمات.
وهذه الجملة تخاطب فصائل الجيش الحر التي تدعمها تركيا ولكن هل هي تشمل أيضاً تنظيم حزب الله المسلح الذي أتت به إيران من الخارج وأدخلته إلى سوريا؟
وفي الواقع فإن وزير الخارجية جاويش أوغلو تحدث لنظيره الإيراني في المؤتمر الصحفي لاجتماع الوزراء الثلاثة قائلاً “هنالك أيضاً تنظيم حزب الله الذي أتى من الخارج، ويجب قطع جميع أنواع المساعدات عنه.
وأكثر ما هو مهم، هل العبارة التي وردت في البيان أنه “يجب فصل المعارضة المسلحة عن النصرة وداعش” تشمل حزب “بي يي دي” الكردي أم لا تشمله؟
وعلينا ألا ننسى أن هناك اتصالات مكثفة بين حزب العمال الكردستاني وإيران أما موسكو فلم تضع حزب العمال الكردستاني ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية وهناك مكتب لحزب العمال وحزب “بي يي دي” في موسكو.
ليست غطرسة بل ديبلوماسية
ليس من السهل على تركيا وحدها إنشاء توازن تفاوضي قوي مع إيران وروسيا في الملف السوري فمن الممكن أن تكون حسابات التوازن مع الدول الغربية وبالأخص مع الولايات المتحدة ودول حلف الشمال الأطلسي فعالة أكثر.
نعم إن الولايات المتحدة تعطي السلاح لحزب “بي يي دي” ولكن موسكو لم تضع حزب العمال الكردستاني على قائمة التنظيمات الإرهابية حتى يجب على انتقادات الديمقراطية التركية القادمة من الغرب عدم دفع أنقرة إلى تغيير مسارها ومن دون إعطاء هكذا تصور للغرب يجب علينا تحسين علاقاتنا مع روسيا وجميع الدول.
وعند تغيير شروط القاعدة الأساسية في السياسة الخارجية فمن الأكيد ستغير المواقف أيضاً فخطأ السلطة لم يكن بإشارة رئيس الوزراء بن علي يلدريم للاعتراف بنظام الأسد بل كان الخطأ بالعواطف الأيديولوجية والحماسية التي وصلت إلى درجة “العزلة الثمينة” وإغلاق سياستها على “رحيل الأسد”.
فيجب على السياسة الخارجية أن تكون دائماً ذات لغة ديبلوماسية مرنة بعيدة عن التصرفات العقائدية والحماسية ولا يمكن للفكر العقائدي الأيديولوجي أن يرينا حقيقة العالم لأن العالم لم يتشكل ولا مرة بحسب الفكر الأيديولوجي العقائدي.
المصدر : حريات ؛ ترجمة وتحرير وطن اف ام