سرّ روسيا الذي لاتبوح به لأحد.. الفيلق الخامس!
تولي روسيا اهتماماً خاصاً ورسمياً بما يعرف بـ”الفيلق الخامس-اقتحام” الذي أعلن عن تأسيسه في سوريا في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر الماضي.
ووصلت درجة الاهتمام بذلك الفيلق، لأن يحضر العماد فلاديمير بابوف، نائب رئيس هيئة الأركان الروسية، اجتماعاً في محافظة اللاذقية، وبحضور محافظها ابراهيم خضر السالم، للتعريف بالفيلق الخامس وحث أنصار الأسد على الالتحاق به. وفقاً لما نقلته وكالة”سانا” في خبر مطول لها بتاريخ الخامس عشر من الجاري.
في المقابل، تحجم وسائل الإعلام الإيرانية، عن الترويج لهذا الفيلق، بل اكتفت بعرض الخبر الرسمي، ونقلا عن وزارة دفاع الأسد. إلا أنها لم تحضر أي فعالية يقيمها نظام الأسد للترويج له. ليظهر الروس وحدهم في هذه الزاوية.
الاهتمام المتزايد للروس بمسألة تشكيل الفيلق الخامس، تفوقت على اهتمامهم أصلا ببقايا جيش الأسد. وتتحدث الأنباء عن أن روسيا تعتزم إلحاق 100000 من أنصار الأسد في هذا الفيلق، الذي لم ير النور بعد، مع إغراءات مالية عالية.
قلق إيراني مكتوم من أهداف روسيا بالفيلق الخامس
تحليلات ربطت بين تأسيس الفيلق وحاجة روسيا لقوات بمقدورها الاحتفاظ بالأرض. وتحليلات أخرى رأت أن هذا الفيلق ليس نقطة التقاء بين الروس والإيرانيين، لأنه لو تشكّل فإن ذلك قد يعني استغناء النظام عن الميليشيات التي ترسلها إيران إلى سوريا، وعلى رأسها ميليشيا “حزب الله” اللبناني.
إلا أن حاجة روسيا لغطاء عربي لوجودها في سوريا، يقول البعض، قد تدفعها لخلق بيئة خالية من التدخل الميليشياوي الإيراني، في سوريا. لكن هذا الاحتمال يصطدم مع الإعلان الإيراني الدائم عن تدخلها السافر في الأرض السورية، وآخره الأنباء عن وجود قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، حيث ظهر حول قلعة حلب التاريخية، وبعض أحيائها القديمة.
هنا، تظهر إمكانية خلاف ما بين الروس والإيرانيين لو كان الفيلق الخامس هو لملء المكان الذي تشغله ميليشيات إيران الطائفية في سوريا. إذ ستفهم طهران ذلك على أنه “قصقصة” لجوانحها، وإخراج لها من الأرض السورية بعد التكاليف البشرية والمادية التي قدمتها لقاء ذلك.
خطر إيران الإيديولوجي أكبر من خطر ميليشياتها في سوريا
ولأن الخطر الإيراني، في الأساس، على الأرض السورية، هو ايديولوجي فتنوي بث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد واختطاف سوريا التاريخية العربية وتغيير هويتها، فإن إمكانية نزع أظافرها العسكرية “ممكنة” في سوريا كونها ذات طبيعة ميليشياوية بالأصل، وهي أقل خطراً من خطر إيران الإيديولوجي، الذي تعوّل عليه إيران كثيرا في ما يعرف بتصدير ثورتها، وهو خطاب المذهبية المغلّفة بـ”ممانعة” دعائية ذات محتوى تخريبي.
ويستند التحليل السابق، إلى خلافات تظهر للعلن كثيرا بين الروس والإيرانيين في سوريا، آخرها ابتزاز طهران لموسكو في موضوع “إجلاء” المعارضين السوريين قسراً من حلب الشرقية. حيث دخلت إيران على الخط وأربكت المعادلة بين الروس والأتراك، وأضافت شروطاً لا تنتهي، ولازالت.
ويسبق ذلك، الاختلاف الروسي الإيراني في ما يتعلق بموضوع الهدن في سوريا. فدائما ما تكون إيران غير موافقة على أي هدنة، كما أصبح معلوماً. وآخر خلاف ظهر للعلن أيضا، هو في انتقاد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران للقرار 2328 والذي ينص على نشر مراقبين دوليين في حلب. وقال علي شمخاني حسب خبر نشرته وكالة “فارس” بتاريخ العشرين من الجاري إن “المصادقة على القرار 2328 في مجلس الأمن الدولي جاء استمرارا للنشاطات المدمرة السابقة وتمهيدا لدخول العناصر الاستخباراتية والعسكرية إلى مدينة حلب” محرّضا نظام الأسد ضد هذا القرار بقوله: “هذا القرار تجاهل أي دور للحكومة السورية”. مع العلم أن روسيا، حليف الأسد في مجلس الأمن، وافقت على القرار الذي صدر بالإجماع.
عدم التوازن في الاستراتيجيات ما بين طهران وموسكو، يظهر كلما تم الاقتراب من الميدان السوري. وتتصرف إيران مع روسيا، على هذا الأساس، من منطلق لي الذراع، كون الطيران العسكري الروسي لا يستطيع تحقيق أي سيطرة على الأرض، فهو محتاج للميليشيات الإيرانية للقيام بذلك، خصوصا بعد انهيار جيش الأسد وخسارته لمعظم قادته وضباطه في الحرب مع المعارضة السورية.
إيران قد تسعى لعرقلة إنشاء الفيلق الخامس
من هنا، تستند القراءات، إلى أن الفيلق الخامس الذي ترعاه روسيا بشخص نائب رئيس هيئة الأركان العماد فلاديمير بابوف، سيكون بديلا من ميليشيات إيران الطائفية وبديلا من قوات “حزب الله” أيضا. خصوصا أن روسيا تحتاج لممر عربي وإسلامي لن يتحقق لها إلاّ لو ضحّت “بقطع كبيرة” للاحتفاظ بمربّع استراتيجي. ولن تكون هذه القطع الشطرنجية، سوى القوات الأجنبية الطائفية التي غزت سوريا ومكّنت إيران من فرض شروطها حتى على دولة عضو بمجلس الأمن.
إلا أن هناك مخاوف من سعي إيران لعرقلة تأسيس مثل ذلك الفيلق، لأنها بالعمق، تفهم أن وجوده يعني استغناء عن ميليشياتها. وهذا ما يفسّر قلة تسليطها الضوء إعلاميا عليه. كما أنها حتى الآن لم تكن ممثلة بأي اجتماع رسمي يحثّ على الالتحاق به. ولوحظ في هذا السياق، أن أذرع إيران المذهبية الضاربة في سوريا، وتحديدا “مجمّع الرسول الأعظم في اللاذقية” في الساحل السوري، مسقط رأس الأسد، لم تقم بتعبئة إعلامية لصالح هذا الفيلق، بل ركّز مجمل نشاطه في الأسابيع الأخيرة على قضية أهالي مدينتي كفريا والفوعة الإدلبيتين، والذي ينتمي إلى ثانيها رئيس المجمع الدكتور أيمن زيتون خرّيج قم الإيرانية ويد طهران المذهبية الأقوى في سوريا.
الطحّان الروسي لا يغبّر على الكلاّس الإيراني
من هنا، تخلص القراءات السالفة، إلى أن الفيلق الخامس هو سرّ روسيا الذي لا تعلنه على الملأ، بل تحتفظ بأهدافه دون الإفصاح التام عن نتائجه لو تحقق. إلا أن منطق “الكلاّس” الذي “لا يغبّر على طحّان” يتفوق في اللعبة الروسية مع إيران، فأدارت الأخيرة ظهرها للفيلق الخامس، مشتمّةً رائحة لا تزرع في أوصال ملاليها سوى الريبة والشك بحليف تقاتل معه في سوريا، إلا أنه قد يضطر لإخراجها منها، عند أول تباشير تفاهم عربي ودولي في هذا الشأن. الأمر الذي حدا بعلي شمخاني للقول إن هناك غرفة عسكرية مشتركة مع روسيا في سوريا، للإشارة إلى أن تنسيقا كهذا قد يخفّف من حدة التعارض مابين الاستراتيجية الروسية والدور الإيراني، في سوريا. خصوصا أن شمخاني أشار إلى أن هذه الغرفة هي لتقديم ما سمّاها “مشورة” لجيش الأسد والميليشيات الأخرى، كما لو أن إيران، هي طرف رابع مستقلّ تماماً، بعد جيش الأسد، والقوات الروسية، والميليشيات الطائفية على مختلف مسمّياتها. فيما الحقيقة أن إيران والميليشيات، طرف واحد، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض.
وطن إف إم/ اسطنبول