يقف لبنان مرة أخرى أمام مفترق طريق جديد، قد يدخل البلاد في فراغ سياسي آخر، بعد فترة قصيرة من حل أزمة الرئاسة التي أبقت لبنان بدون رأس لأشهر طويلة.
ويشكل التوافق على تعديل قانون الانتخابات ورفض التمديد للبرلمان لمرة أخرى، نقطة خلاف مشتعلة حاليا يتصارع حولها الفرقاء اللبنانيون وتلقى بشانها الاتهامات.
وحدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري 15مايو/أيار المقبل موعدا لانعقاد المجلس، وعلى جدول أعماله بند التمديد للمرة الثالثة منذ 2013، وذلك على خلفية قرار الرئيس ميشال عون، في 12 آبريل/نيسان الماضي، بتعليق جلسات البرلمان مدة شهر، وذلك لإفساح المجال أمام الفرقاء السياسيين للتوافق على قانون جديد للانتخابات، في ظل رفض معظمهم للقانون الحالي.
غير أن الفرقاء السياسيين لم يتوصلوا إلى حد الآن إلى توافق بشأن أي صيغة لهذا التعديل، مما قد يخرج الخلاف من أروقة البرلمان إلى الشارع، خصوصا أن ولاية البرلمان الحالي تنتهي رسميا في 20 يونيو/ حزيران المقبل.
وفي هذا الصدد، اتهم رئيس حركة التغيير، عضو الأمانة العامة لقوى “14 آذار”، المحامي إيلي محفوظ، حزب الله بأنه يسعى “لقانون انتخابات يرسم من خلاله معالم شكل وطبيعة المجلس النيابي مستقبلًا”.
وأضاف محفوظ “حزب الله يسعى لبرلمان طيِّع، يحمي خاصرته، ولا يرميه من الظهر بوابل من القرارات والقوانين التي قد تتناقض مع مشروعه، ناهيك عن خشيته من تراجع قوته وحضوره في الساحة الداخلية التي يتحكّم بها ويفرض شروطه عليها، نظراً لمنسوب القوة العسكرية والأمنية التي جعلت منه المفاوض والمقرر الرئيسي في الحياة السياسية في لبنان”.
و اعتبر رئيس حركة التغـيير، أنّ “الحياة السياسية في لبنان باتت باهتة بغياب المكوّن السيادي والاستقلالي، وبانكفاء دوره الذي كان يؤمّن ولو بالحدّ الأدنى من التوازن في وجه ميليشيا حزب الله”، في إشارة إلى تحالف أحزاب وتيارات قوى 14 آذار المناوئة لحزب الله وحلفائه في تحالف 18 آذار.
وشبه محفوظ، الحديث عن قانون الانتخابات في لبنان بـ”قصة إبريق الزيت”، ومن بيده الربط والحلّ، للأسف هو من يملك أداة التعطيل أو وسيلة الإفراج عن أي قانون يناسب وضعه ويتناسب مع التطورات الدولية والإقليمية، في إشارة إلى حزب الله وحلفائه.
وأضاف محفوظ، “من المؤكّد أن حزب الله، يسعى من خلال القانون الى تحسين شروطه، وتحصين أوضاعه الداخلية، من خلال قانون يؤمّن له بالاضافة الى تمثيله الشيعي، تمثيلًا أوسع على مستوى باقي الطوائف والمكونات التي يتألف منها المجلس النيابي”.
وتابع محفوظ، “بتنا أمام أمر محتوم بتمديد جديد للمجلس النيابي الحالي، وشكل القانون لم يعد مهمًا في ظل فريق يملك السلاح، وبالتالي يتحكّم بزمام الأمور ويفرض رغباته بحسب ما تتوافق مع مصالحه”.
وقال في هذا الصدد، “حزب الله، يرغب من خلال أي قانون، ليكون لديه نواب من طوائف غير شيعية يعملون معه، ويعملون لديه، تأمينًا لنشاطاته وتغطية حضوره العسكري”.
وخلص رئيس حركة التغيير، إلى أن “أي قانون انتخابي مزمع إطلاقه لا يوافق مصالح حزب الله، ولا يؤمّن له مشروعية وجوده الأمني والعسكري والمالي فإنه لن يبصر النور. المسألة برّمتها تكمن هنا وفي النتيجة، إذا أردنا أن نعرف شكل القانون علينا أن نعرف ماذا يريد حزب الله”.
من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في شؤون حزب الله قاسم قصير، إن “معظم القوى السياسية اللبنانية معنية بالانتخابات النيابية، من رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الوزراء سعد الحريري، والنائب وليد جنبلاط، وحزب الله، ومختلف القوى السياسية في البلد”.
وأضاف “حتى أن جنبلاط، قال إنه لن يسمح بمرور قانون انتخابي لا ينصفه”.
وبرأي “قصير”، فإن “حزب الله طرف من هذه الأطراف، لا بل أقلّ طرف يمكن أن تكون أولويته قانون الانتخابات، وحزب الله، يهمه بالتأكيد قانون انتخابي على أساس النسبية، لأنه يعتبر أنها تخلق تنوعاً لدى القوى السياسية، يسمح بتحالفات أبعد من التحالفات الطائفية، لكن من الواضح أن النسبية ليست مطلوبة في البلد.”
وتابع قصير، “من الصعب التكهن كيف ستتجه الأمور، خصوصاً وأن الوقت ضيق، وكل الاحتمالات واردة، مثل العودة إلى قانون الستين (قانون الانتخابات الذي وضع عام 1960، وجرى إدخال بعض التعديلات عليه في اتفاق الدوحة، وتمّت انتخابات 2009 على أساسه)”.
واعتبر أن خيار التمديد لمجلس النواب “وارد”، خصوصاً وأننا “في جو إقليمي ودولي يريد استقرار لبنان، لذلك ربما يتم اللجوء في آخر لحظة إلى التمديد مرة جديدة، أو العودة إلى قانون الستين”.
يذكر أن القانون النسبي، الذي يطرحه حزب الله، يتم فيه توزيع المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية الواحدة، على القوائم المتنافسة بحسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات، وبعض الفرقاء يرون أن هذا القانون يؤمن عدالة التمثيل الصحيح ويتيح المشاركة الواسعة في الإنتخابات للمستقلين والأقليات، وآخرون يرون أنه يصب بمصلحة حزب الله الذي يحظى بتأييد واسع لدى الطائفة الشيعية.
أما القانون المختلط، الذي يمزج بين النسبي والفردي، فيطرحه رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل، ويرفضه رئيس مجلس النواب، رئيس حركة أمل نبيه بري (حليفا حزب الله).
وفي المقابل يطرح بري مشروع القانون الثالث وهو القانون الأكثري الذي يستطيع من خلاله المسيحيون إيصال 48 نائباً مسيحياً بأصواتهم الخاصة، إضافة إلى 6 نواب مسلمين، في المقابل يستطيع المسلمون السنة إيصال 24 نائباً سنياً و12 نائباً من باقي الطوائف، وكذلك المسلمون الشيعة، كما يمكّن القانون الطائفة الدرزية من إيصال نواب من طوائف أخرى.
أما تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري، فأعلن موافقته على أي قانون يلاقي توافقا عاما، ويحقق الشراكة والميثاقية بين اللبنانيين.
وينص اتفاق الطائف، الموقع بين الفرقاء اللبنانيين عام 1989، والذي أنهى حربا أهلية امتدت 15 عاما، على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون يراعي قواعد العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين ويؤمن صحة التمثيل لجميع فئات الشعب اللبناني. ولم يحدد الاتفاق طبيعة هذا القانون.
وخلال الأيام القليلة القادمة، ينتظر ان يدعو رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى جلسة للحكومة يتضمن جدول أعمالها قانون الانتخاب.
وفي السياق صرح الحريري، الأسبوع الماضي، بلهجة بدت متفاءلة، “لسنا في مواجهة مع أي فريق ويهمنا الوصول الى معادلة حسن التمثيل، وإن شاء الله تصل الأمور إلى خواتيمها”.
وطن اف ام / الأناضول