تحت عنوان “عزلة مرسي تقوض حقوقه” أصدرت منظمة حقوق الإنسان الدولية هيومن رايتس ووتش تقريراً مفصلاً الإثنين 18 يونيو/حزيران 2017 وثقت خلاله انتهاكات بالجملة بحق الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي داخل السجن.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن السلطات المصرية منعت بشكل غير قانوني الرئيس الأسبق محمد مرسي من الاتصال بأسرته ومحاميه، أو تلقي زيارات في السنوات الماضية، منذ أن عزله الجيش بالقوة في يوليو/تموز 2013. سمحت السلطات المصرية في 4 يونيو/حزيران 2017 لمرسي بتلقي زيارة من أسرته ومحاميه للمرة الثانية منذ نحو 4 سنوات.
وتقول المنظمة الدولية تقوّض هذه الظروف حق مرسي في الطعن في احتجازه وإعداد دفاعه في الملاحقات القضائية الكثيرة ضده، وربما تسهم في تدهور صحته. فقد مرسي خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو/حزيران وعيه مرتين وتعرض لغيبوبة سكّري، وفقاً لما ذكرته عائلته لـ هيومن رايتس ووتش.
قال جو ستورك، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن السلطات المصرية انتهكت بشكل خطير حقوق الرئيس السابق مرسي في الإجراءات القانونية الواجبة، وربما تدخلت في توفير العلاج الطبي المناسب له. المعاملة التي يلقاها مرسي تُلقي الضوء على الظروف التي يعاني منها آلاف المعتقلين السياسيين في مصر”.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن مرسي أخبر القاضي خلال جلسة استماع في المحكمة في 12 يونيو/حزيران، أنه يود أن يلتقي بفريق الدفاع ليطلعهم على ما تعرض له في السجن وكيف أثر على حياته، وفقاً لما نشرته صحيفة “الشروق”.
ووصف مرسى معاملته بأنها “جرائم” كان لها “تأثير مباشر” على حياته، بما فيه الإغماء يومي 5 و6 يونيو/حزيران، وفقاً لما ذكرته الصحيفة. قرأت المحكمة أيضاً تقريراً صحياً رسمياً من أطباء السجن، جاء فيه أن صحة مرسي جيدة، إلا أنه مصاب بمرض السكري.
قال أحد أفراد العائلة لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات سمحت لزوجة مرسي وابنته برؤيته 30 دقيقة في 4 يونيو/حزيران، لكنها منعت 4 أبناء وأقارب آخرين من زيارته. كانت زيارة مرسي السابقة الوحيدة من عائلته في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. سمحت السلطات أيضاً في 4 يونيو/حزيران لعبد المنعم عبد المقصود، عضو فريق الدفاع القانوني لمرسي، بالاجتماع معه 10 دقائق، وهي المرة الأولى التي تلقى فيها مرسي زيارة من محام منذ يناير/كانون الثاني 2015.
حصلت كلتا الزيارتين في سجن الملحق، وهو قسم من سجن طرة بالقاهرة. لم يكن هناك حاجز زجاجي يفصل مرسي عن عائلته، كما هو الحال عادة في مثل هذه الزيارات، ولكن عضواً في جهاز الأمن، رفض عضو العائلة ذكر اسمه، كان حاضراً.
قال قريب مرسي إن مرسي أبلغ محاميه أنه يريد الاجتماع مع فريق الدفاع الخاص به بأكمله لبحث “مسائل خطيرة تتعلق بحياته” وأنه لن يثير هذه المسائل علناً إلا أمام قاض
قدم فريق دفاع مرسي في 8 يونيو/حزيران شكوى إلى النيابة العامة تقول إن حياة مرسي يمكن أن تكون في خطر، وطلب نقله إلى مرفق صحي خاص للفحص. كما طلبوا الاجتماع معه مرة أخرى.
قال قريبه إن مرسي بدا في صحة “جيدة ولكن ليست ممتازة” في زيارة 4 يونيو/حزيران، ولكن الرئيس السابق، البالغ من العمر 68 عاماً، فقد كثيراً من وزنه.
بعد 3 أيام، وخلال جلسة استماع مقررة لإعادة النظر في قضية اتهم مرسي فيها بالمشاركة في عمليات هروب جماعي من السجن خلال ثورة 2011، رفضت المحكمة السماح لمرسي بالتحدث. قال قريبه إن العائلة تلقت معلومات عن فقدانه الوعي وغيبوبة السكري من سجناء آخرين كانوا محتجزين بالقرب من مرسي في قاعة المحكمة ذلك اليوم. قال أحد أفراد العائلة إن مرسي قال لهم إنه يخشى على حياته وبدأ يمتنع عن تناول أي شيء سوى الطعام المعلّب.
سُمح لمرسي في أغسطس/آب 2015، من بين مرات قليلة، بالتحدث أمام إحدى المحاكم، فأثار مشاغل صحية مماثلة وطالب بفحص في مرفق صحي خاص، نظراً لسنه واحتجازه ومرضه بالسكري، ولكن الحكومة لم تسمح بذلك. خلال الجلسة نفسها، قال مرسي إنه رفض في مناسبات عديدة طعام السجن الذي قال إن تناوله “قد يؤدي إلى جريمة”.
قال قريبه لـ هيومن رايتس ووتش إن ممرض السجن أو الطبيب يفحص عادة ضغط الدم ومستوى السكر لدى مرسي كل بضعة أيام، ولكنه لا يوفر أي رعاية صحية أخرى. وأضاف أن السلطات لم تسمح للعائلة أبداً بتقديم أي طعام أو دواء، مثل معظم أقارب السجناء لاستكمال ما يقدم من طعام قليل جداً في السجون المصرية في كثير من الأحيان، وأن مرسي كان يشتري الأنسولين الخاص به باستخدام الأموال المودعة من قبله العائلة. أضاف القريب أن السلطات منعت عن مرسي الصحف والتلفزيون والمكالمات الهاتفية.
بعد أن اعتقل الجيش مرسي، في عهد وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، وخلع حكومته في 3 يوليو/تموز 2013، احتجزه بمعزل عن العالم الخارجي دون تهمة أو إجراءات قضائية لمدة 23 يوماً. بدأ سجنه رسمياً في 26 يوليو/تموز 2013، عندما أعلنت السلطات عن فتح تحقيق ضده، لكنها لم تنقل مرسي إلى مكان احتجاز قانوني -سجن برج العرب بالإسكندرية- حتى 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عند أول ظهور له في المحكمة.
بعد أن بدأت السلطات في 22 يوليو/تموز 2013 في استخدام القوة القاتلة لتفريق الاعتصامات الجماهيرية التي تعارض إبعاد مرسي، دعا الاتحاد الأوروبي الحكومة المؤقتة بقيادة الرئيس آنذاك عدلي منصور إلى الإفراج عن مرسي للمساعدة في تهدئة الوضع. لم تفرج عنه الحكومة. تمكنت كاثرين أشتون، التي كانت آنذاك مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، من مقابلة مرسي وهو قيد الاحتجاز في 30 يوليو/تموز. التقى وفد من الاتحاد الإفريقي مرسي لمدة ساعة في اليوم التالي. سمحت السلطات لمرسي بمكالمة هاتفية واحدة، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، وسمحت لأسرته بزيارته مرة واحدة بعد نقله إلى سجن برج العرب.
اعتقلت السلطات أسامة، ابن محمد مرسي، في ديسمبر/كانون الأول 2016، ليواجه اتهامات إلى جانب مئات المتهمين الآخرين في المحاكمة الرئيسية المتعلقة بتفريق الحكومة في 14 أغسطس/آب 2013 اعتصاماً جماعياً في ساحة رابعة العدوية بالقاهرة يعارض خلع مرسي. اتُهِم أسامة والمدعى عليهم الآخرون، كثير منهم كانوا يحتجون في ساحة رابعة، بعرقلة الطرق والانتماء إلى جماعة محظورة ومحاولة القتل. نقلت السلطات أسامة إلى سجن “العقرب” شديد الحراسة، وهو أيضاً في مجمع طرة، ولم تسمح للعائلة والمحامين بزيارته.
واجه مرسي منذ الإطاحة به 5 محاكمات منفصلة بتهمة التآمر مع “حماس” و”حزب الله”، والتجسس عن طريق تسريب أسرار الدولة إلى قطر، وإهانة القضاء، وتفريق تظاهرات بشكل قاتل ضد متظاهري المعارضة خارج قصر الرئاسة عام 2012.
كشفت معاينة هيومن رايتس ووتش السابقة لمحاكمات اشتباكات القصر الرئاسي والهروب من السجن والتآمر أن جميعها كانت عرضة لانتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية السليمة وظهرت بدوافع سياسية. لم يُظهر ملخص ملف الدعوى في قضيتي الهروب من السجن والتآمر اللتين نُظر فيهما معاً، أي دليل على أن النيابة العامة سعت إلى إثبات المسؤولية الجنائية الفردية. كما استندت النيابة العامة في قضية اشتباكات القصر الرئاسي إلى افتراض مسؤولية مرسي عن مقتل المتظاهرين فقط على أساس علاقته مع جماعة “الإخوان المسلمين”.
حكمت المحكمة في يونيو/حزيران 2015، على مرسي بالإعدام في قضية الهروب من السجن وبالمؤبد في قضية التآمر. حكمت محكمة منفصلة في يونيو/حزيران 2016 على مرسي بالسجن مدى الحياة في قضية التجسس. ألغيت جميع هذه الأحكام عند الاستئناف، ويجري إعادة النظر في القضايا. تم تأييد حكمه بالسجن لمدة 20 عاماً في قضية اشتباكات القصر الرئاسي أثناء الاستئناف، ولا يزال يحاكم في القضية التي تنطوي على إهانات مزعومة للسلطة القضائية.
يضمن “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الذي صادقت عليه مصر عام 1982، حق السجناء في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه. أكدت “لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان” أن “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادقت عليه مصر عام 1982، يلزم الحكومات بتقديم “الرعاية الطبية الكافية أثناء الاحتجاز”.
وجدت “لجنة مناهضة التعذيب”، الهيئة التي تراقب الالتزام بـ”اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، التي صادقت عليها مصر عام 1986، أن عدم توفير الرعاية الطبية الكافية يمكن أن ينتهك الحظر الذي تفرضه الاتفاقية على المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وجدت هيومن رايتس ووتش عام 2016 أن معاملة السلطات للسجناء المحتجزين في سجن العقرب، حيث يعتقل عديد من الشخصيات السياسية البارزة في المعارضة والإخوان المسلمين منذ عام 2013، انتهكت مجموعة من الحمايات المقدمة للمحتجزين.
قال ستورك: “على مصر وقف هذا الانتقام الوحشي ضد مرسي وعائلته. يجب احترام حقوق مرسي وضمانها، مثل حقوق المعتقلين جميعاً”.
وطن اف ام / وكالات