اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع، السبت، قرارا يطالب بوقف الأعمال العسكرية في سوريا ورفع الحصار، المفروض من قبل قوات الأسد، عن غوطة دمشق الشرقية وبقية المناطق الأخرى المأهولة بالسكان لمدة 30 يوما، على أن يدخل حيز التنفيذ بشكل “فوري”.
جاء ذلك خلال جلسة انعقدت، اليوم، للتصويت على القرار الذي تقدمت به الكويت والسويد، وذلك بعد تأخر التصويت لـ3 أيام، حيث كان من المقرر أن يتم الخميس، قبل أن يتأجل للجمعة، وبعد سجالات ومداولات تأجل التصويت للسبت، وتعثر إقراره اليوم لعدة ساعات.
وحسب نص القرار، فإنه يدخل حيز التنفيذ فور إقراره مساء السبت.
وحتي اللحظات الأخيرة قبل صدور القرار، كان دبلوماسيون بالأمم المتحدة يتوقعون أن ممثلي الدول الأعضاء سيخفقون في جلستهم اليوم التي تأخرت أكثر من ساعتين عن موعدها المحدد سلفا، في التوصل إلى اتفاق.
ولم يكن هؤلاء الدبلوماسيين متشائمين في توقعاتهم؛ فالخلاف بين روسيا من ناحية وغالبية ممثلي الدول الأعضاء بالمجلس كان يتعلق بأكثر من فقرة مدرجة بنص مسودة القرار لعل أخطرها تلك التي كانت تتعلق بما إذا كان مجلس الأمن سيقرر وقف الأعمال العدائية في سوريا وإطلاق الهدنة أم أنه سيكتفي بمطالبة الأطراف المعنية، بوقف الأعمال العسكرية.
وحتي تضمن الولايات المتحدة ومعها غالبية الدول الأعضاء بالمجلس مرور القرار دون التعرض للفيتو الروسي، تم الاتفاق مع المندوب الروسي علي تعديل الفقرة الأولي الواردة بالقرار بعد ديباجته لكي تصبح كالتالي:
“يطالب جميع الأطراف بوقف الأعمال العدائية دون إبطاء، وأن تشترك فورا في كفالة التنفيذ الكامل والشامل لهذا الطلب جميع الأطراف، من أجل وقف إنساني دائم لمدة لا تقل عن 30 يوما متتالية في جميع أنحاء سوريا، من أجل تمكين التسليم الآمن ودون عائق وتقديم المساعدة الإنسانية والخدمات والإجراءات الطبية للمرضى والجرحى الحرجة، وفقا للقانون الدولي”.
وحسب مطلعين على المداولات، فإن كلا من الكويت والسويد، اضطرتا أيضا ومعهما الولايات المتحدة للاستجابة لـ”طلبات روسيا” بخصوص عدم وقف الأعمال العسكرية إزاء الجماعات الإرهابية بسوريا مثل “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية المسلحة، ولذلك جاءت الفقرة الثانية من القرار كالتالي:
“يؤكد أن وقف الأعمال العدائية لا ينطبق على العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة (داعش)، والقاعدة وجبهة النصرة، وجميع الجماعات الأخرى، والمشاريع والكيانات المرتبطة بالقاعدة أو داعش، وغيرها من الجماعات الإرهابية، كما حددها مجلس الأمن”.
الغريب أن مندوب نظام الأسد لدي الأمم المتحدة بشار الجعفري هدد أعضاء مجلس الأمن خلال الجلسة وعقب التصويت، بأن “سوريا لن تتواني في استخدام قوتها العسكرية أمام أي مجموعات عسكرية تخرق هذا القرار ولو حتى بقذيفة واحدة”.
ولضمان آلية تنفيذ القرار اتفق الجميع علي أن “يقدم الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) إلى المجلس تقريرا عن تنفيذ هذا القرار وعن امتثال جميع الأطراف المعنية في سوريا، في غضون 15 يوما من اتخاذ هذا القرار(أي من اليوم)”.
السفيرة الأمريكية نيكي هايلي، أعربت صراحة خلال الجلسة، عن شكوكها إزاء التزام نظام بشار الأسد بمضمون القرار، لكنها أكدت مساندة واشنطن لمضمونه وأنها ستقوم في نفس الوقت بمراقبة تطور الأحداث.
بدوره، أكد رئيس مجلس الأمن ومندوب الكويت لدي الأمم المتحدة، منصور العتيبي، عقب التصويت علي مشروع القرار، خلال الجلسة، أن “الإجماع تحقق بفضل الحرص على التشاور مع الجميع وأن القرار يدعو إلى وقف النار لـ 30 يوماً في سوريا بالإضافة إلى الإغاثة الطبية”.
لكن السفير الروسي لدي الأمم المتحدة فاسيلي نيبيزيا، قال للصحفيين عقب انتهاء جلسة التصويت علي القرار، إنه “يجب علي الجميع أن يكون واقعيين… وأن تنفيذ الهدنة لا يمكن أن تتم من خلال قرار لمجلس الأمن، مع كل الاحترام لهذه المؤسسة، لكن من خلال اتفاق الأطراف المعنية علي الأرض”.
يشار إلى أن القرار طالب “جميع الأطراف باحترام وتنفيذ التزاماتها، بشأن اتفاقات وقف إطلاق النار، بما في ذلك التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2268”.
ودعا “جميع الدول الأعضاء إلى استخدام نفوذها على الأطراف المعنية (في سوريا) لضمان التنفيذ الكامل لوقف الأعمال العدائية، والالتزام المطلق باتفاقات وقف إطلاق النار القائمة”.
القرار طالب أيضا “جميع الأطراف بأن ترفع فورا الحصار عن المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك الغوطة الشرقية واليرموك والأربعة وكفريا”، وأن “تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المساعدة الطبية، والكف عن حرمان المدنيين من الغذاء والأدوية”.
ومنذ نحو أسبوع تشهد منطقة الغوطة الشرقية الواقعة على مشارف العاصمة دمشق واحدة من أكثر حملات القصف فتكا في الحرب المستمرة بسوريا منذ سبع سنوات.
وأسفر تصعيد قوات الأسد بدعم روسي عن مقتل نحو 400 شخص، وإصابة أكثر من ألف آخرين، حسب ما ذكرت الأمم المتحدة، الجمعة.
والغوطة الشرقية إحدى مناطق “تخفيف التصعيد” التي تمّ الاتفاق عليها في محادثات العاصمة الكازاخية أستانا في 2017، وهي آخر معقل للثوار قرب العاصمة، وتحاصرها قوات الأسد منذ 2012.
وطن اف ام