حلبمقالات

سميرة المسالمة – عندما يلقي رأس النظام خطاب «النصر» في حلب

للمرة الخامسة منذ ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١ وحتى يوم الإثنين الماضي ٥ كانون الأول (ديسمبر) ترتفع أيدي سفيري روسيا والصين معاً معلنين تضامنهما الكامل ليس مع النظام السوري وإنما مع استمرار حرب الإبادة الوحشية التي تشنّ على السوريين عموماً، وفي حلب على وجه الخصوص، تحت غطاء سلاح الطيران الروسي، والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية، التي تعتبر بمثابة أذرع إقليمية لإيران، و «الحرس الثوري» الإيراني.

لا جديد يقدمه العالم عبر هيئته الدولية (مجلس الأمن)، اللهم إلا مشهد العجز أمام الفيتو السادس لروسيا، مع بعض الخطابات التي تحاول تلوين البؤس بالحزن، وخذلان السوريين في عالم تحكمه دول خمس كبرى، في عالم تعيش غالبيته كأتباع ومستضعفين، لا يستطيعون القيام بأي شيء لوقف سيلان الدم في ثاني مدن سورية، التي تعتبر واحدة من أهم حواضر العالم الثقافية والتاريخية.

وبينما تمضي حلب إلى مصيرها المأسوي والكارثي تحت وابل البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والارتجاجية، التي تحمل توقيع النظام ومسانديه الروس والإيرانيين، تفتح أيضاً صدرها على الضفة المقابلة لرصاص المتقاتلين من فصائل محسوبة على الثورة أو تلبس عباءتها أو هي خنجر في صدرها تماماً كـ «القاعدة» وأخواتها.

وبين أنهار الدم المسفوك في حرب شبه عالمية على الشعب السوري، هناك في حلب يستعد رئيس النظام لخطاب «النصر» خاصّته مستحضراً فيه ما يعتبره بطولته في تدمير حلب، التي احتفي بها كـ «عاصمة الثقافة الإسلامية» عام 2006، سابغاً اللون الأسود عليها، ليمد هو تحت قدميه بساطاً أحمر منسوجاً بدم ولحم جنود جيشه الذين أرسلهم إلى أمهاتهم بأكياس، من أجل ما يعتبر أنها سوريته التي وعد بها جيشه قبل معارضيه برفعه شعار: «سورية الأسد أو نحرق البلد».

المشاركة بحفل «الانتصار» هذا على ما يبدو ليست روسية أو إيرانية فحسب، بل أميركية أيضاً، إذ أضحى المسؤولون الأميركيون يمنحون هدايا الطمأنينة لرأس النظام، من وقت إلى آخر بعد كل هذا الدمار، حيث «العملية السياسية مستمرة والأسد جزء منها»، وفق الوزير جون كيري، علماً أن هذه العملية ليست حديثة الولادة، فهي العملية ذاتها التي أطلقت في جنيف عام ٢٠١٢، أي يوم كان عدد ضحايا هذه الحرب المجنونة أقل من خُمس الأرقام التي صدرتها الأمم المتحدة هذا العام، أي كانت أقل من نحو ثمانين ألف ضحية، بينما باتت اليوم تزيد على أربعمئة ألف ضحية حرب.

وللتأكد من هول ما يحدث في الكارثة السورية يمكن عرض بعض ما ذكرته هذه التقارير، إذ ثمة ما يقرب من ثمانية ملايين سوري يعانون من إعاقة جسدية، ونحو ثلاثة ملايين طفل سوري تحت سن الخامسة أفاقوا على الحياة في ظل الصراع المسلح، و7 ملايين طفل فقير، وما يزيد على مليون طفل محرومين من التعليم. كما تم تدمير نحو ثلث مدارس سورية بالقصف كلياً أو جزئياً، وزاد على ذلك تدمير كل مدارس حلب الشرقية أيضاً خلال الشهر الماضي. وهناك 13 مليون إنسان بحاجة الى المساعدات بينهم 5 ملايين و800 ألف من الأطفال. أيضاً، يوجد أكثر من مليون شخص تحت الحصار، و3 ملايين و900 ألف شخص يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، وما يزيد على 6 ملايين شخص اضطروا لترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سورية. وما يقارب نصف الشعب السوري تركوا منازلهم في البلاد (نزوح ولجوء) منذ ربيع 2011، وغير ذلك من أرقام مرعبة عن نسبة الفقراء في سورية التي تجاوزت 80 في المئة.

نعم، نحن إزاء العملية السياسية المجحفة ذاتها، لكن بشروط أكثر إجحافاً هذه المرة عما كان الحديث يجري عنه في «جنيف-1»، إذ استبدلت «هيئة الحكم الانتقالي» الكاملة الصلاحيات بـ «حكومة مشاركة» بين النظام والمعارضة، وبالحديث عن صلاحيات بالتفويض يمنحها رأس النظام لهذه الحكومة التمثيلية، أي لم يعد الحديث عن رحيل الأسد وأزلامه بمثابة عادة أميركية للمسؤولين، كما كان سابقاً، بدءاً من الرئيس أوباما مروراً بوزراء خارجيته المتعاقبين، بل هو الآن حديث صريح عن أن الأسد جزء من عملية سياسية. بل إن أوروبا باتت تروج لشكل جديد للحكم، سعياً الى تقليص بعض صلاحيات الرئيس (نظام برلماني)، في حين تعمل بعض الديبلوماسية العربية والغربية على ترويج مشروع استفتاء على مصير الأسد، وهذا الأخير لم يترك المشروع على رغم رفضه له، يمر إلى سلة مهملاته.

على عكس ذلك تماماً فقد أخذ سيناريو احتمالات قيامه على محمل الجد، وبدأ بخطة ترويجية له لا تستهدف هذه المرة المؤيدين، بل تستهدف مباشرة ضحاياه في بلاد اللجوء الذين أرغمهم بسياساته على ترك مدنهم والتشرد بحثاً عن وطن بديل. وهكذا يعمل النظام اليوم على مصالحات تقوم بها لجان متخصصة في بلاد اللجوء السوري، سعياً منه ليس فقط لاحتواء الحاضنة الشعبية، بل لتحويلها إلى إحدى نقاط القوة التي يرتكز عليها، فيما لو كان القرار الدولي بالذهاب فعلياً إلى عملية الاستفتاء على مصير الأسد.

نعم، العملية السياسية هي الحل، عندما كانت ضحايا الحرب تقدر بعشرات الآلاف، وعندما أصبحت بمئات الآلاف، وعندما أغلق عداد الأمم المتحدة على ٤٠٠ ألف، متجاهلة أكثر من عشرين ألفاً من ضحايا مجازر الحرب في حلب فقط خلال الأشهر القليلة الماضية، وستكون العملية السياسية بشروط أقل انسانية أيضاً عندما يتجاوز رقم الضحايا المليون، أو تتضاعف كل هذه الأرقام.

بانتظار أن تأتي تلك العملية السياسية، وقد تأتي بثوب أحمر أكثر حتى حدود المليون، وقد لا تأتي، فإن إلقاء خطاب «النصر»، بالنسبة الى رأس النظام، بين أبنية مهدمة تحيط بها شوارع اجتاحتها رياح الموت والدمار الهستيري، قد يبدو أكثر جذباً له من أي حديث عن عملية سياسية.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى