ليس التوقيت وحده الذي يثير التساؤلات عن مغزى الهجمات الاخيرة لفصائل المعارضة السورية وخصوصاً في حي جوبر وفي ريف حماه الشمالي. فالمسألة لا تنحصر فقط بانعقاد الجولة الخامسة من محادثات جنيف، إنما تتعداها الى مجمل الوضع السوري.
فالمعارضة السورية ومن يقفون خلفها اقليمياً لا يعتبرون أن الحرب انتهت بسيطرة الجيش السوري على كامل حلب. ولا يمكن بالنسبة اليهم البدء بتفاوض جدي اذا بقيت للنظام اليد العليا في الميدان والتي ستترجم في السياسة عاجلاً أم آجلاً.
ومن دول الخليج العربية الى تركيا لم يحصل تبدل جوهري في الموقف من الحرب في سوريا. والدعوات الى الحل السياسي لا تعني أن هذه الدول قد اتجهت الى تبني وجهة نظر مختلفة من حرب ترى أنها لم تحقق أهدافها بعد. واذا كان “داعش” في حال تراجع مستمر، فهذه هي “جبهة فتح الشام” (“النصرة” سابقاً) تقود فصائل جهادية وغير جهادية الى معركة استنزاف جديدة مع النظام.
وليست تركيا المنزعجة من التقارب الروسي مع أكراد سوريا، ببعيدة عن هجمات المعارضة في دمشق وحماه. وكذلك هو حال دول الخليج العربية التي لا يعني تأييدها للحل السياسي في سوريا أن يشمل هذا الحل بقاء النظام بأي شكل من الأشكال.
وليست الولايات المتحدة خارج الصورة. فواشنطن التي تحشد في الرقة يهمها ألا يتاح لدمشق أو لحليفها الروسي أو الايراني لعب أي دور في تحرير الرقة من “داعش”. وفي هذا السياق سبقت القوات الاميركية الجيش السوري وروسيا الى منطقة الطبقة في الرقة.
وربما لو حافظت القوات النظامية على اندفاعها في ريف حلب الشرقي ضد “داعش” لكانت شقت طريقها بعد ذلك داخل الحدود الادارية للرقة. ولذلك وجب إشغال الجيش السوري في خطوطه الخلفية من العاصمة الى حماه.
ولا يمكن قراءة التطورات العسكرية المتزامنة من الانزال الاميركي في الرقة الى فتح المعارضة بكل فصائلها الجهادية وغير الجهادية النقطة الاقرب الى العاصمة ومن ثم التوسع في ريف حماه، إلا في سياق التمهيد لمعادلة عسكرية جديدة في سوريا مغايرة لتلك التي نشأت بعد خسارة المعارضة أحياء حلب الشرقية.
وعليه تصير محادثات جنيف تدور في حلقة مفرغة وخاضعة لتقلبات الميدان أكثر مما هي محكومة باحراز تقدم في حل سياسي يوقف النزف على الارض. وكل شيء يوحي حتى الآن بأن ظروف هذا الحل ليست ناضجة ما يكفي كي توقف الإندفاعات على الارض.
المصدر : النهار