أخبار سورية

داريا الدمشقية تتحدى القصف باستمرار الحياة

لا يعول كثير من أهالي داريا على المعونات الإنسانية التي لم يسمح نظام الأسد بدخولها قط، وتحدثوا بفخر عن صناعتهم للمجففات الغذائية ومواد التنظيف وحلول الطاقة البديلة، ويعتبرون “تنميتهم للموارد الذاتية أجدى من انتظار ممرات إنسانية قد لا تفتح”.  

على الرغم من انقضاء تسعة أشهر على انهيار مئذنة جامع أبو سليمان الأثري بداريا جنوب دمشق فإن صوت المؤذن في مواعيد الصلاة الخمسة لم يتوقف، وكذلك بالنسبة للعاملين في حقول الكرمة ومزارع الماشية والمرافق الأخرى. ورغم ارتفاع  وتيرة القصف أثناء الأيام الأخيرة فإن المحاصرين استمروا في قطف محاصيل العنب وتوزيع اللبن الطازج، وبدت “مدينة الأولياء” كما يسمها أبناؤها وكأنها عصية على الاستسلام أكثر من أي وقت مضى.  

ولا يعول كثير ممن التقتهم الجزيرة نت في داريا على المعونات الإنسانية التي لم يسمح الأسد بدخولها قط، وتحدثوا بفخر عن صناعتهم للمجففات الغذائية ومواد التنظيف وحلول الطاقة البديلة، ويعتبرون “تنميتهم للموارد الذاتية أجدى من انتظار ممرات إنسانية قد لا تفتح” حسب مسؤول العلاقات في مجلس المدينة عمار العبار.

 

ويختصر العبار تجربة الإدارة المحلية في إدارة الموارد قائلا “نحن محاصرون تماما منذ ثلاث سنوات ولا نجد سبيلا سوى أن نعتمد على مواردنا وطاقاتنا بشكل كامل لنحقق أمننا الغذائي بالدرجة الأولى”.

وأضاف أن “مسألة التكيف مع هذا الواقع الصعب أفرزت حلولا تجعل من كل شيء وسيلة ذات فائدة، فنستخدم الركام لبناء التحصينات والمواد المشتعلة لتكرير الوقود، حتى الأعشاب تبدو مهمة لهذا العلاج أو ذاك واستخدمنا بعضها لصنع أدوية لمكافحة اليرقان”.

أما أبو يوسف -أحد مزارعي الكرمة الذين فضلوا البقاء في المدينة- فقال للجزيرة نت إن الحرب المستمرة منذ ألف يوم لم تدفعه للاستسلام والتوقف عن العناية بحقوله رغم المخاطرة “كانت تلك طريقتنا للاستمرار، فلن يحصل لنا ما هو أسوأ من الموت، وفي المدينة هنا كثيرون فضلوا الموت على النزوح”.

 

ويستشهد أبو يوسف بعرس جماعي جرى الأسبوع الماضي لعدد من شبان المدينة رعته السلطات المحلية قائلا “هذه البراميل لم تمنع شيئا قدره الله لنا، لقد رفعت من معنوياتنا وجعلتنا أكثر إصرارا من ذي قبل، إنها أسلحة غبية”.

ويأتي الخبز الطازج وأوعية الخضار الصيفية وعناقيد عنب داريا الأكثر شهرة تباعا في أوقات منتظمة إلى الجبهات الممتدة نحو ١٧ كيلومترا حول المدينة، فضلا عن حصص غذائية مشابهة تنالها الأسر المقيمة في المدينة.  

وقال أبو عمار -أحد المسؤولين في المكتب الإغاثي- “إنها من خيرات الجهود المحلية التي ثابرت على تنمية موارد الزراعة والرعي، بعض حقول الكرمة دمرت، لكننا غرسنا بدلا منها”.

 

وضمن فريق مؤلف من خمسين شخصا يعمل أبو عمار على إدارة الموارد المحلية للمدينة من خضار وفاكهة موسمية، والتي تسد -وفقا لبيانات المكتب الإغاثي- معظم احتياجات السكان المحاصرين الغذائية.  

ويشارك عابد -أحد طباخي المدينة- يوميا في إعداد وتوزيع الطعام لخمسة آلاف شخص، بينهم ألف مقاتل على الأقل. ومع احتدام المعارك أثناء الأيام الماضية لجأ عابد إلى خطة إطعام طارئة وصفها بالوجبات الميدانية التي ينبغي لها أن تصل طازجة للمدنيين والمقاتلين على حد سواء.

وبعد يوم عمل طويل يقول عابد “كم سنصمد؟ في داريا لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال ربما لأننا حسمنا موقفنا منذ الرصاصة الأولى، سنصمد طويلا، بل وأكثر مما يعتقد الآخرون، لأنه صمود يرتبط بالرمق الأخير لكل واحد منا”.

المصدر : الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى