ضغطت أحداث المنطقة والعالم، فمرّت ذكرى وفاة الشاعر والسياسي العلوي البارز، دون أن يلمحها أحد، وهو الشاعر بدوي الجبل، محمد سليمان الأحمد، والذي توفي بتاريخ 18 أغسطس 1981 بعد معاناة من الأمراض التي تسببت بها محاولة اغتياله في عام 1968.
والبعض يؤرخ الوفاة بتاريخ 19 وليس 18 أغسطس. وكان بدوي الجبل قد نشر قصيدة دوّت في ذلك الحين، اسمهما “من وحي الهزيمة” بعيد هزيمة 1967 واشتهرت بقوة مثلما اشتهرت “إني لأشمتُ بالجبار”، حيث تعرض فيها لرموز الهزيمة، سواء في الداخل السوري أو المصري.
ورداً على تلك المواقف، قام بعض الملثّمين، والذين لم تعرف أسماؤهم حتى هذه اللحظة، بمحاولة اغتياله عام 1968 وهو يمارس الرياضة الصباحية، فقاموا بضربه ضربا مبرحاً بحديدة، وعلى رأسه، ثم اختطفوه عدة أيام.
حافظ الأسد، وزير دفاع النكسة، يعرف القتلة وأكثر!
وتنقل الأخبار المؤكدة، أن وزير الدفاع السوري، وقتذاك، حافظ الأسد، والذي أصبح رئيساً في ما بعد، قد تدخل “لدى الخاطفين” لإطلاقه!
وأن الأسد “وجّه إنذاراً إلى الخاطفين” وحصل الأمر، فعثر على بدوي الجبل في أحد شوارع دمشق. وتقول مصادر أخرى “عثر عليه في أحد المستشفيات”.والأدق أنه كان في الشارع، مرمياً، ثم نقل إلى المستشفى.
ومع أن تأكيد المصادر بتوجيه الأسد إنذاراً للخاطفين، يعني معرفته بهويتهم ومن هم، إلا أن الذي لم يحصل، طيلة مدة حكم الرئيس السوري حافظ، وابنه بشار من بعده، هو تسمية الذين قاموا بمحاولة الاغتيال ثم الاختطاف، ما يعني، بحسب مصادر أخرى، أن وزير الدفاع حافظ الأسد، لم يكن فقط على علم بهوية الخاطفين، بل له يد بعملية الاغتيال.
وإلا: لمن وجه الأسد إنذاره؟ ولماذا استجابوا لهذا الإنذار؟ ولماذا، في ما بعد، وحتى الآن،لا يزال آل الأسد متكتّمين على أسماء فرقة الاغتيال التي نفذت العملية؟
وقد كانت مواقف بدوي الجبل من “أبطال الهزيمة” والتي كان وزير الدفاع حافظ الأسد أحد رموزها البارزة، فضلاً عن انتمائه السياسي المناقض لحزب البعث والاشتراكية، سبباً في محاولة اغتياله، التي كان يريدها حافظ الأسد “تأديباً حاداً” فتحولت سبباً غير مباشر للموت، بعد ضرب الشاعر على رأسه بحديدة، فبقي يعاني من أمراض النطق والمشي وباقي النشاطات الجسدية، حتى توفي عام 1981.
مقتل منير الأحمد أيضاً!
وفي متابعة لخط الاغتيال الذي رافق هذه العائلة، لن يتأخر منير الأحمد، ابن بدوي الجبل، عن الدخول في “قائمة الاغتيال”، بل كان أسوأ حظا من أبيه بدوي، فقتل على الفور عام 1992، ولم يكن الاعتداء عليه “تأديباً” بل كان اغتيالاً مباشراً، وهو الإعلامي الذي كان على رأس عمله في الإعلام السوري ببرنامج شهير كان معروفاً وقتذاك.
وقتل منير الأحمد، بصفته المعارضة، حيث كان على علم بهوية قاتلي أبيه ومختطفيه، وكان كثيراً ما يردد تلك الأخبار، ويمتلك اتصالات مختلفة مع أكثر من تيار معارض أو غير معارض.
إلا أن عمله الإعلامي شكّل خطورة لمؤسسة الأمن في عهد الأسد الأب، الذي قتل أباه وهو وزير للدفاع، ثم قتله وهو رئيس للبلاد.
ومقتل أخيه بعد عام من مقتل ابنه!
تنقل الأخبار أن أحمد سليمان الأحمد وجد ميتاً عام 1993 في بلغاريا، وهو الأستاذ الجامعي المتخصص بفلسفة الأدب، والأديب والمترجم الذي صدر له أكثر من ثلاثين مؤلفاً.
ويؤكد الناقد اللبناني جهاد فاضل أن أحمد سليمان الأحمد كان قد انشق وقتها عن نظام الأسد ومات في ظروف غامضة! لتظهر قصة تصفية العائلة، تقريباً بالكامل، ومن لم يتعرض منهم للاغتيال، خضع لمراقبة أمنية مشددة، كانت تتابعه في كل تفصيل صغير، مثل حياة ابن البدوي، الطبيب الدكتور علي، الذي كان بيته خاضعاً لمراقبة أمنية مشددة تدقق في الزائرين والمرضى وكل ما يدخل أو يخرج من هذا البيت، حتى إن الدكتور علي نفسه، كان يطلب من بعض ضيوفه التحدث همساً عن بعض الأمور، إلى حين إعلان وفاته منذ مدة.
عائلة يموت أفرادها بشكل مفاجئ!
وقبل أن يتم اغتيال البدوي ثم اغتيال ابنه منير وأخيه أحمد، كان للبدوي ابنة اسمها “جهينة” ماتت في عز شبابها “في شكل مفاجئ”!.
أما ابنه عدنان فقد “مات” أيضاً في “شكل مفاجئ” عام 1967 عن عمر 32 عاماً! وتؤكد مصادر محلية عارفة بالوضع المناطقي في اللاذقية، أن قرب قرية البدوي وهي “السلاّطة” من قرية آل الأسد “القرداحة”، وتأثير ذلك على نفوذ العائلة الأسدية الصاعدة، تسبب في تصفية جماعية لآل الأحمد الذين كانوا يسبقونهم في النفوذ والشهرة في العالم العربي، خصوصاً أن البدوي نفسه كان قريباً للملك الهاشمي فيصل، والذي اختاره في عداد وفود رسمية في تلك المرحلة.
كذلك، فإن الخط السياسي الذي ينتمي إليه أفراد هذه العائلة، لم يكن بحال من الأحوال متفقاً مع التوجه البعثي الاشتراكي لآل الأسد.
وكانا، عملياً، يشكلان ضدّين متناقضين، فإما هذا أو ذاك. وكانت الغلبة لآل الأسد الذين تخلصوا من أشهر عائلة علوية تسبقهم في السياسة والإرث السياسي وتعلو عليهم بالثقافة والتعليم، حيث إن أغلب عائلة الأحمد إما أطباء أو أساتذة جامعيون، أو شعراء كبار كفاطمة أخت البدوي والمعروفة باسم “فتاة غسان”، والتي ماتت صغيرة السن، وفي شكل مفاجئ أيضاً!
بينما لا يوجد لآل الأسد أي اسم ثقافي أو فكري أو أكاديمي بارز، إلا “الدكتور” بشار الرئيس الحالي. فضلاً عن علاقات آل الأحمد العربية والمحلية، والتي على أساسها انتقل آل الأحمد من العمل الفئوي، إلى العروبي الإسلامي، مع الملك فيصل وباقي عصبة العمل الوطني.
من الطائفة إلى الجمهورية
ولد بدوي الجبل في اللاذقية عام 1903، وليس صحيحاً أي تأريخ لولادته قبل هذا التاريخ، لأن من ولد قبل هذا التاريخ هو أخ له توفي، فسجل بدوي على سجله.
كذلك نعتمد تأريخ موسوعة البابطين الأدبية التي أكدت أن العام 1903 هو العام الصحيح، لا قبل ذلك ولا بعده، لأب متبحر في اللغة العربية، وكان عضواً في المجمع اللغوي بدمشق، هو شيخ الطائفة العلوية وقتذاك الشيخ سليمان الأحمد. وانتخب بدوي الجبل نائباً أو عضواً في المجلس التمثيلي لمدينة اللاذقية، وهو المجلس الذي اعتبر في حينها الممثل السياسي والإقليمي لما يعرف بـ”دولة العلويين” التي ولدت بدعم من المحتل الفرنسي وقتذاك.
إلا أن عمر هذه الدويلة لم يكن طويلاً، فأسقطها الوطنيون السوريون عبر ما يعرف بعصبة العمل الوطني وباقي القوى الوطنية الأخرى.
وليس صحيحاً كل ما يورده بعض المؤرخين عن أن بدوي الجبل سارع إلى العمل الوطني، دفعة واحدة، لأن بدوي الجبل كان يخاطب السلطات الفرنسية، وبكتب رسمية مسجلة، بصفته ممثلاً عن العلويين، وداعماً لانفصالهم.
إلا أن سيرته كشاعر، وكسياسي، وسيرة عائلته، هي سيرة عائلة صُفّيَت. مع كل إرثهم الأدبي والتاريخي والسياسي، ليحل محلهم من تسببوا بـ”وضع سوريا الآن” في ذيل قائمة التاريخ العربي والدولي.
المصدر : العربية