نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على تداول خبر القضاء على أبي بكر البغدادي في سوريا في مناسبات عديدة، آخرها يوم 16 حزيران/ يونيو الجاري.
وقالت الصحيفة في تقريرها إنه على الرغم من استعادة قوات مكافحة الإرهاب العراقية محيط مسجد النوري في الموصل، إلا أن الغموض لا زال يشوب مصير أبي بكر البغدادي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المسجد يُعد المكان الوحيد الذي ظهر فيه زعيم تنظيم الدولة في مقاطع فيديو وصور، تم تداولها بصورة علنية في شهر تموز/ يونيو سنة 2014.
وذكرت الصحيفة أنه بتاريخ 16 حزيران/ يونيو، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن قضائها على عدد من قادة هذه المنظمة الإرهابية في ليلة 28 أيار/ مايو في منطقة الرقة السورية. كما أفاد الجانب الروسي أنه “من المحتمل أن يكون البغدادي من بين العناصر التي تم تصفيتها خلال هذه العملية”. وبعد أسبوع من ذلك، أكدت وزارة الشؤون الخارجية التابعة لهذا البلد أنها على “درجة عالية من اليقين” بمقتل زعيم التنظيم، دون تقديم أدلة على ذلك. وكان هذا الإعلان أحدث الأخبار التي أقرت القضاء على البغدادي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ سنة 2014، أعلنت القوات العسكرية العراقية، والسورية، والروسية مرارا وتكرارا عن مقتل هذا الإرهابي. ولكن، في ظل عدم تقديم أدلة ملموسة على وفاة هذا “الخليفة”، يبقى تنظيم الدولة الطرف الوحيد القادر على تأكيد هذه المعلومة. وخلافا لذلك، لا يتسنى إلا للبغدادي نفسه تكذيبها، على الرغم من اشتهاره بقلة كلامه. ويمتلك هذا الشخص، الذي يحظى بولاء كبير من طرف أتباعه، شخصية غامضة ومليئة بالأسرار.
وخلال سنوات قتاله الأولى، نجا البغدادي من بين أيدي القوات العراقية، التي تعتقد أنها اعترضت طريقه أكثر من مرة سنة 2007، حين كان عضوا في قيادة “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق”. ولم يُدرك الجيش العراقي في ذلك الوقت خطورة الشخص الذي مر أمام ناظره، بما أنه كان يتنقل بهوية مزورة. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح البغدادي “أكثر رجل مطلوب للعدالة في العالم”، في نظر الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوردت الصحيفة أنه منذ توليه زمام أمور هذه المنظمة الإرهابية في شهر نيسان/ أبريل من سنة 2010، قلّل البغدادي من تدخلاته العلنية ومن خطاباته. فعلى إثر أول تسجيل صوتي له، الذي نُشر في حزيران/ يونيو سنة 2012، التزم البغدادي ببث رسالة صوتية سنويا، علاوة على ظهوره العلني المصور في شهر حزيران/ يونيو من سنة 2014.
وعلى خلفية ذلك، عمد البغدادي إلى بث رسالة أخرى في اليوم الثالث من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، بعد أسابيع قليلة من بدء معركة الموصل، أمر فيها قواته بمواصلة المقاومة. وقد شكلت هذه الرسالة آخر علامة على بقائه على قيد الحياة. وعلى الرغم من أن ذلك ساعده على التحفظ على مواصلة نشاطاته الإرهابية، إلا أن الخناق قد ضاق عليه في الآونة الأخيرة.
وأضافت الصحيفة أن مقتل أبرز رموز التنظيم على غرار أبي محمد العدناني، ذراعه اليمنى والمتحدث الرسمي باسم التنظيم ورئيس “العمليات الخارجية” (مثل تلك التي تم تنفيذها في أوروبا)، بين أن القضاء على “رأس” هذه المنظمة بات أولوية قوات التحالف الدولي. وعموما، استمر سقوط المحيطين بالخليفة الواحد تلو الآخر.
كما تمت أيضا تصفية فواز محمد جبير الراوي، “أمير المالية” في 16 حزيران/ يونيو على الحدود العراقية السورية. وقبل ذلك بشهر، لقي خمسة قادة آخرين من كبار “المسؤولين” في هذه المنظمة الإرهابية حتفهم في مدينة الميادين السورية. وتُعتبر هذه المنطقة ملجأ تنظيم الدولة، حيث يشتبه الجيش الأمريكي بوجود البغدادي فيها.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كان البغدادي، في حال بقائه على قيد الحياة، قادرا على قيادة ما يُسمى بدولة “الخلافة” التي تشهد تراجعا واضحا على جميع الأصعدة. ولدوافع خفية، لم تتردد وزارة الدفاع الأمريكية في التذكير بما حصل لصدام حسين، حيث تم العثور عليه في قبو، وذلك بهدف المقارنة بينه وبينه وضع البغدادي الحالي. وفي حديثه عن العجز والملاحقة اللذين يكبلان زعيم هذا التنظيم الإرهابي، صرح المتحدث باسم التحالف، ريان ديلون، أن “البغدادي دفن نفسه بنفسه. ونظرا لأنه اختبأ تحت الأرض، فإنه لم يعد قادرا على قيادة قواته”.
في الختام، بينت الصحيفة أنه لم تتبق إلا فرضية واحدة متمثلة في هلاك البغدادي حقا، في وقت سابق. فعلى سبيل المثال، حافظت حركة طالبان الأفغانية على سرية خبر وفاة قائدها الملا عمر في شهر نيسان/ أبريل سنة 2013، ولم تعترف بذلك إلا في شهر تموز/ يوليو سنة 2015.
وطن اف ام / عربي 21