بعد عامين قضاهما داخل الأراضي التركية هرباً من القصف والمعارك الدائرة في مدينة حلب، اتخذ أبو خليل قرار العودة إلى منزله في حي الشعار شرق المدينة، مطلع عام “2015” برفقة عائلته ووالدته، على أمل أن يجد الراحة بعد سنتين من العمل الشاق في تركيا لكسب العيش، لكنه لم يكمل العام في مسقط رأسه حتى قرر العودة إلى البلد الذي غادره عندما وجد أن الحياة أقسى من أن تحتمل في حلب، ولكن لم يكن الأمر بهذه السهولة.
“توجهت إلى المعبر برفقة عائلتي، وسلمنا بطاقاتنا الشخصية (الكميلك) التي نحتفظ بصوراً عنها إلى منظمة الإغاثة التركية “آفاد”، وهي الإجراءات المتبعة لكل شخص يرغب بالعودة إلى وطنه، وبدورها قامت المنظمة بنقلنا خارج الأراضي التركية، التي عدنا إليها ولكن لنواجه حالة صعبة جداً من مختلف النواحي”، كما يقول أبو خليل مفتتحاً حكاية عائلته التي تشبه بوضعها اليوم الكثير من العائلات السورية في تركيا.
بطاقة شخصية بلا قيد
“بعد خروجي من حلب، دفعت كل أموالي ثمناً لدخول تركيا من جديد، حيثتعرضت لعمليات نصب واحتيال متكررة من قبل مهربين قبل أن أنجح مع آخرهم بالدخول مع عائلتي وأمي، لكن النجاة من الموت في حلب والنجاح بعبور الشريط الحدودي لم تكن نهاية المعاناة، فقد كانت بداية مصاعب جديدة لم نكن نتوقعها”، كما يوضح أبو خليل.
وتابع: بعد أسابيع من عودتنا إلى ولاية عينتاب التركية، نقلت زوجتي إلى إحدى المشافي التي تستقبل السوريين الذين يحملون بطاقات “الكيملك”، وهناك علمت من المسؤولين بالمأزق القانوني الذي أنا فيه، وهو انتهاء صلاحية قيد بطاقاتنا الشخصية، واعتبارنا ضمن القانون التركي مخالفين، لايحق لنا التواجد في تركيا.
وتعتبر بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك” وثيقة تعريف رسمية معترف عليها من قبل الدولة التركية، تمكن حاملها من الحصول على حقوق الرعاية الصحية والتعليم والحماية القانونية والعيش في البلد المضيف، وفي حال تم الغاء قيد البطاقةـ يصبح حاملها مخالفاً لقانون الحماية والعيش داخل الأراضي التركية، ويحرم من الاستفادة من كافة الخدمات المجامية التي تقدمها الدولة وكذلك من الدعم المالي المقدم من قبل الأمم المتحدة والدول الداعمة للاجئيين.
محاولات غير مجدية
يؤكد أبو خليل جهله بالقانون التركي فيما يخص المقيمين السوريين، ودهشته من وضعه حالياً داخل الأراضي التركية، بعد أن أصبح شخصاً مخالفاً لا يحق له التواجد في تركيا بعد اليوم الذي سلم فيه بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”.
ويقول: لم أترك باباً إلا لجأت إليه .. دوائررسمية، مراكز شرطة، قانونيين وسماسرة ..إلخ، لكن جميع من سألتهم واستنجدت بهم كانت أجوبتهم واحدة، وهي استحالة عودة وضعنا إلى الصيغة القانونية، لكننا الآن نعيش داخل تركيا ولا أريد أن أطرد لأعيش في مخيم مرة أخرى.
خلال مساعي أبو خليل في الحصول على مخرج من أزمته، أخطره أحد الموظفين الحكوميين في الدوائر المعنية بمتابعة أوضاع السوريين في ولاية “غازي عينتاب”، أنه أمام خيار وحيد، وهو الخروج من تركيا إلى دولة أخرى، ثم العودة والتقديم على إقامة مؤقتة، وهنا يستفسر أبو خليل: كيف للاجئ مثلي لايملك جواز سفر أن يغادر تركيا ويعود إليها، وتحمل تكاليف السفر إن أمكن السفر أصلاً.
قانون الحماية المؤقتة
يعتبر القانون التركي كل لاجئ قرر الخروج من تركيا باتجاه وطنه طوعاً، أو أي دولة أخرى تكفلت برعايته وقدمت اللجوء القانوني له، خارج نطاق الحماية التركية، وفي حال عودته إليها بصفة لاجئ يكون مخالفاً ويحق للحكومة التركية إعادته إلى وطنه، وذلك حسب المادة “22” من قانون الحماية المؤقتة المتبع في تركيا.
لكن هذه المادة ورغم أهميتها بالنسبة إلى المواطن السوري الذي يندرج ضمن قانون الحماية المؤقتة، إلا أن الكثير من السوريين المتواجدين داخل الأراضي التركية يجهلونها، وهو سبب أساسي في وقوع الكثيرين في مخالفات قانونية لايدركون أسبابها، كما توضح الخبيرة القانونية “اسماء الاحمد”.
وتقول: حتى اليوم لم تسجل على ما نعلم أي حالة ترحيل لسوريين لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك” أو المخالفين لقانون الحماية التركية، على الرغم من وجود مواد تسمح للحكومة التركية بإعادة المخالفين، فحسب قانون الحماية المؤقتة، يحق للشرطة إعادة اللاجئين الذين غادروا تركيا طوعاً إلى أوطانهم وعاودوا الدخول بطريقة غير شرعية إلى البلاد من جديد.
حلول قانونية
وتضيف الأحمد: يجب على اللاجئ انتظار خمسة سنوات بعد مغادرته تركيا في حال قرر العودة إليها بصفة لاجئ، وفي حال عودته يجب عليه مراجعة دائرة الهجرة وتقديم التبريرات التي دفعته إلى مغادرة تركيا بصورة عاجلة، وقد تمكنه هذه الخطوة من إعادة تفعيل قيوده القانونية.
وأشارت المحامية “أسماء الأحمد” إلى أن الحقوقين السوريين يحاولون التوصل إلى قرار حكومي يتيح للسوريين المخالفين والمتواجدين داخل الأراضي التركية تصحيح أوضاعهم القانونية وإعادة تفعيل قيود بطاقاتهم الشخصية.
وعن هذا الموضوع تقول الأحمد: يعد الأمر صعباً جداً لعدم وجود ثغرات قانونية ضمن القوانين التركية المعنية باللاجئيين تساعد في هذا الأمر، لكننا نحاول فعلاً البحث عن مخرج للمخالفين وإعادة أوضاعهم إلى السكة القانونية ، مؤكدة على أن العام القادم سيحمل مجموعة من القرارات الحكومية الجديدية التي تخص أوضاع السوريين المخالفين لقوانيين الحماية المؤقتة والمتواجدين في تركيا، قد تكون كفيلة بإعادة أمورهم إلى النصاب القانوني.
حتى اليوم، تنتظر عائلة “أبو خليل” وهي واحدة من مئات العائلات التي أجبرت على العودة إلى تركيا بعد تهجيرها من مدينة حلب مجدداً على يد قوات النظام، تنتظر قراراً حكومياً أو عفواً يعيد لهم حق الحماية المؤقتة المتبع مع السورين المتواجدين على الأراضي التركية.
منصور حسين – وطن اف ام