مع تصاعد العمليات العسكرية وارتفاع حدة الاشتباكات بين الثوار من جهة وقوات الأسد وحلفائها من جهة أخرى، يعود ريف حلب الجنوبي إلى واجهة الأحداث الميدانية في الشمال السوري.
ريف حلب الجنوبي
تشكل المساحة التي يسيطر عليها الثوار مايقارب “العشرين بالمئة” من المساحة المحررة من الشمال السوري، حيث تمتد مناطق سيطرتهم من بلدة خان طومان في الجنوب الغربي لمدينة حلب، قرب “طريق دمشق- حلب الدولي” حتى قرية أبو ضهور ومطارها العسكري، الواقع بين ريفي ادلب وحماة الشرقي.
ويبلغ اجمالي القرى الخاضعة لسيطرة الثوار مايقارب “المئتان وخمسون قرية وبلدة” موزعة على مناطق “سمعان، تل الضمان، الحص وقرى البادية، أو مايعرف بالقرى النائية”، كما يبلغ اجمالي عدد السكان في تلك القرى مايقارب الثلاثين ألف عائلة، حسب احصائيات خاصة “بموقع وطن”.
مخيمات الريف الجنوبي
وبالإضافة إلى السكان الأصليين في القرى الخاضعة لسيطرة الثوار، يتواجد في ريف حلب الجنوبي حالياً أكثر من عشرين مخيماً للنازحين من القرى والمناطق التي سيطر عليها ال خلال عملياته العسكرية المتلاحقة على المنطقة، وأيضاً من المدنيين المهجرين من أحياء مدينة حلب الشرقية.
وتتركز معظم المخيمات في منطقة الحص التي تحوي أكثر من عشر مخيمات للنازحين، ومحيط بلدة تل الضمان والقرى القريبة من مجرى “نهر قويق”، ويبلغ عدد النازحين والمهجرين المقيمين في تلك المخيمات أكثر من “عشرين ألف نازح ومهجر” يعانون من أوضاع انسانية مزرية، حيث تفتقر مخيماتهم إلى أدنى مقومات العيش، إلى جانب عمليات القصف الجوي والبري المتواصلة.
الوضع الانساني
ومع تزايد حدة القصف والمعارك في ريف حلب الجنوبي مؤخراً، وتجدد حركة النزوح الداخلي الذي أدى لنزوح أكثر من ثلاثين ألف مدني، عاد الحديث عن الوضع الإنساني والطبي الذي تعيشه قرى ريف حلب الجنوبي إلى الواجهة، خاصة وأن معظم القرى الخارجة عن سيطرة النظام تشهد قصفاً جوياً وبرياً مكثفاً.
تركز القصف الجوي خلال عمليات النظام العسكرية بين عامي “2015_2016” على المشافي الميدانية والمراكز الطبية، الأمر الذي أدى إلى خروجها عن الخدمة بشكل كامل، ومع اعادة المؤسسات الثورية تفعيل بعض المراكز الطبية الصغيرة، عاود الطيران الحربي قصفه تلك المراكز في الأيام القليلة الماضية، كما أوضح الناشط “محمد زكريا الجنوبي”.
ويضيف الزكريا: ريف حلب الجنوبي خالي من المشافي الميدانية بشكل كامل، وتبلغ المسافة بين القرى التي تتعرض للقصف وأقرب المشافي الميدانية مايقارب “الستين كم” وهي مسافة كفيلة بانهاء حياة المصاب، وهو ماحدث فعلاً بعد أن فارق عدة مدنيين الحياة أثناء محاولة اسعافهم.
سبعمائة غارة جوية
ولم يكن خلو ريف حلب الجنوبي من المشافي الميدانية وحده مايؤكد تدهور الوضع الانساني في الريف الجنوبي، فقد أدى القصف المركز على المناطق التي تشهد اكتظاظاً سكانياً إلى تدهور الحالة المعيشية وفرار آلاف المدنيين من مساكنهم نحو العراء.
بلغ المعدل الوسطي لغارات النظام على قرى الريف الجنوبي “50 غارة جوية” يومياً، شملت معظم القرى الخاضعة لسيطرة الثوار، واستهدفت في معظمها الأسواق والمراكز الطبية والخدمية، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء “سبعة وثلاثين مدنياً، كما أوضح “أحمد عيسى” المسؤول الإعلامي في فوج الدفاع المدني بريف حلب الجنوبي في حديثه لموقع “وطن”.
ويقول العيسى: بلغ عدد الغارات الجوية التي استهدفت مناطق ريف حلب الجنوبي خلال الحملة العسكرية الأخيرة، مايقارب “السبعمئة غارة جوية استهدفت أكثر من “أربعين قرية وبلدة”، وتركزت في معظمها أيضاً على بلدة تل الضمان وقرى “أم العمد، حجيرة، أبو تينة، الرشادية، أم ميال، سيالة وحجارة، عبيسان، رملة”، وهي قرى شهدت اشتباكات بين الثوار وقوات النظام.
ويضيف: أدى القصف إلى شلل الحركة التجارية واغلاق الباعة محالهم وفرار المدنيين من قراهم، خاصة بعد استهداف الطيران الحربي مراكز الأسواق التجارية في المنطقة، ومنها سوق بلدة تل الضمان الذي يعد أكبر أسواق المنطقة، بالإضافة إلى استهداف ستة مراكز التعليمية وثلاث نقاط طبية ومراكز الخدمية، وهو ما أدى بدوره أيضاً إلى توقف المراكز الطبية والخدمية عن القيام بمهامها.
النزوح إلى متى ؟
من خناصر إلى الحاضر ومن ثم ذاذين وليس انتهاءً بمكحلة، هي قصة تنقلات “أبو اسماعيل” الذي ترك منزله في بلدة الشيخ سعيد أواخر عام “2012”، والذي يجد نفسه اليوم مرغماً على حل عقد خيمته استعداداً لنزوح جديد نحو منطقة أقل خطراً من مكان اقامته الحالية، بعد وصول نيران النظام إليها.
ويقول أبو اسماعيل: تركت منزلي في الشيخ سعيد جنوب حلب وتوجهت نحو أرضي في بلدة خناصر، لكن قوات الأسد كانت أقرب، ما أجبرني على النزوح إلى بلدة الحاضر، وبعد هجوم النظام على هذه المنطقة أيضاً تركت منزلي الطيني ونقلت عائلتي إلى قرية ذاذين التي وصلتها أيضاً قوات الأسد، واليوم أبدء بجمع ماتبقى من حاجياتي استعداداً لنزوح جديد لا أعلم وجهته.
وبحسب المجالس المحلية في ريف حلب الجنوبي، فقد بلغ عدد النازحين من قرى ريف حلب الجنوبي خلال العمليات العسكرية الأخيرة على المنطقة، مايقارب الخمسة وثلاثين ألف نازح، يعيش معظمهم في العراء دون توفر أي وسيلة من وسائل العيش الكريم.
“ريف حلب الجنوبي منطقة منكوبة” هذا ما أعلنته المجالس المحلية قبل عامين، وهو ماتجدد هذه السنة أيضاً، ورغم تحول الريف الجنوبي إلى منطقة غير صالحة للحياة، إلا أن ذلك لم يمنع الطيران الروسي وطائرات الأسد من العمل على تدمير مابقي من شبه مقومات للحياة في المنطقة.
منصور حسين / وطن اف ام