أصبح اللاجئون، لا سيما القادمون من سوريا، يطلبون اللجوء في ألبانيا، وهي ظاهرة غير مسبوقة في البلاد الصغيرة والفقيرة الواقعة في منطقة البلقان، لكنها تبقى بالنسبة لهم محطة في رحلتهم نحو أوروبا.
صار اللاجئون من الشرق الأوسط وخصوصاً سوريا، يسلكون الطريق الجديد لتهريب البشر من اليونان عبر ألبانيا وجمهورية الجبل الأسود والبوسنة إلى كرواتيا ثم إلى غرب أوروبا.
عدد اللاجئين الذين يصلون ألبانيا في تزايد منذ بداية العام 2018، وهو أمر جديد، إذ أن ألبانيا معروفة خصوصاً بمواطنيها الذين يهاجرون بحثاً عن حياة أفضل في بلدان الاتحاد الأوروبي. في فرنسا مثلا، الألبان هم على رأس الجنسيات التي حصلت على اللجوء عام 2017، حسب إحصائيات نشرتها الداخلية في 12 يونيو/ حزيران الجاري.
بعد أن تقطعت بهم السبل في البلقان بسبب الحراسة الشديدة المفروضة على الطريق الكلاسيكية للهجرة والتي تمر عبر مقدونيا وصربيا، يسعى العديد من اللاجئين إلى “إيجاد طرق جديدة للوصول إلى دول الاتحاد الأوربي” حسب متحدث باسم الداخلية الألبانية أردي بيده.
السوري “جوان بلاي” والبالغ من العمر 28 عاماً، جاء في منتصف يونيو/ حزيران إلى مركز صغير لطالبي اللجوء في بابرو بإحدى ضواحي العاصمة تيرانا. ومركز بابرو هو الوحيد في ألبانيا الذي تجاوزت طاقة استيعابه لـ180 شخصاً بعشرين فرداً.
ينتظر وافدون جدد أمام مبنى صغير من الطوب، في حين يخرج منه آخرون بحقائبهم الصغيرة، على أمل العبور ربما إلى جمهورية الجبل الأسود على بعد حوالي مئة كيلومتر شمالاً.
ولقد أعربت بودغوريتشا (عاصمة الجبل الأسود) مؤخراً عن قلقها من “الثغرة” الحدودية مع ألبانيا.
طلب “جوان بلاي” اللجوء لكنه لا يخفي أنه “بالنسبة إليه كما بالنسبة إلى الآخرين، تبقى ألبانيا محطة على خلاف صربيا ومقدونيا اللتين أغلقتا حدودهما”.
ويقول الشاب الذي يسعى للذهاب إلى ألمانيا مع رفاق رحلته الثلاث: “ألبانيا هي الحل الوحيد أمام اللاجئين للعبور”. ويتابع: “العديد يفضلون طلب اللجوء السياسي في ألبانيا ما يتيح ربح الوقت أثناء الإجراءات لإيجاد حلول للعبور إلى الجبل الأسود وإلى البوسنة، ثم منها الالتحاق بألمانيا أو الدنمارك أو بلاد أخرى”.
لكن قبل الوصول إلى كرواتيا والاتحاد الأوروبي، الطريق وعر وجبلي، في ألبانيا والجبل الأسود والبوسنة شاق أيضاً. هذه المصاعب لم تثن الشابة “بيريفيان ألوس” (26 عاما) التي غادرت سوريا برفقة زوجها من إكمال الرحلة.
يطلع الزوجان الجميع، عبر الهاتف المحمول، على صورة ابنتيهما التوأم البالغتين 3 سنوات من العمر. لكن بسبب مخاطر الرحلة، تركت الطفلتان في رعاية جديهما.
ومنذ أن رحلا من عفرين (شمال غرب سوريا)، عبرت “بيريفيان” وزوجها “الحقول والجبال والوديان (…) في الوحل وتحت المطر” مشياً على الأقدام، أو على متن مراكب صغيرة.
وتوضح “بيريفيان”، أنها وصلت حتى الحدود الألبانية بمساعدة “مهربين” ودفعت مقابل ذلك 10 آلاف يورو إجمالاً. ويؤكد أسمر أنه إذا قبل بصفة لاجئ في ألبانيا فسيكون ذلك بهدف “ربح الوقت”.
وخشية التعرض للعنف الذي قد تمارسه شبكات تهريب البشر، “يفضل آخرون تفادي المشاكل والتعويل على نظام تحديد المواقع” وفق ما يقول قاسم يعقوم وهو سوري أيضاً (29 عاماً).
ومهما كانت الإستراتيجية المتبعة، يؤكد مواطنه ياسر النابلس (22 عاماً)، أن “لا أحد يريد البقاء في ألبانيا، البلاد الفقيرة”.
حسب السلطات الألبانية، أوقفت الشرطة 2300 شخصاً على الحدود منذ يناير/ كانون الثاني 2018، في حين لم يبلغ عددهم سوى ألف في كامل العام 2017. ويظل التوافد على كرواتيا والجبل الأسود متوسطاً مقارنة بكثافته التوافد عام 2015 على مقدونيا وصربيا والمجر، لكن الأعداد في تزايد مستمر.
وتؤكد “روفينا فودا”، أن “ألبانيا اتخذت كل الإجراءات لتعزيز أمن حدودها والتعاون مع دول البلقان الأخرى ومع سلطات الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرونتيكس”، وهي وكالة أوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية الأوروبية، بهدف “تحسين السيطرة على الوضع”. وتضيف أن حكومتها تنجح في “مواجهة (الوضع)… رغم العدد المتزايد للوافدين إلى أراضيها”.
وإن كانت “تيرانا” تؤكد السيطرة على الوضع، فقد طلبت وتحصلت الشهر الماضي على مساعدة النمسا حيث جعلت الحكومة المكونة من اليمين المتطرف ومحافظين من مكافحة الهجرة غير الشرعية من أولوياتها. فاتفق البلدان في نهاية مايو/ أيار الماضي على “حل المشكلة قبل أن تتفاقم على غرار ما حدث في 2015 و2017”.
ورحبت ألبانيا التي تسعى إلى تعزيز الدوريات على الحدود مع اليونان، بإرسال “فرونتيكس” عدداً من عناصرها.
واجتمع وزراء داخلية البلقان الاثنين في بروكسل. فالبوسنة، وهي المحطة الأخيرة في الطريق الجديد نحو أوروبا، تواجه أيضاً أزمة الهجرة وتلاقي صعوبات في التعامل معها بسبب مواردها المحدودة. ودخل البوسنة هذا العام نحو 6500 شخص من آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وكذبت السلطات الألبانية مشروع إقامة مخيم كبير للاجئين بمساعدة الاتحاد الأوروبي على أراضيها، فحذرت نائبة وزير الداخلية الألبانية “روفينا فودا”، من أن مثل هذا القرار هو بين أيدي تيرانا وحدها.
وتأمل ألبانيا في فتح مفاوضات مع بروكسل قريباً من أجل أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي.
لكن النمسا تعمل على تطوير هذا المشروع مع بعض دول الاتحاد الأوروبي، حسب ما أكد مساء الثلاثاء المستشار النمساوي “سيباستيان كورز” للتلفزيون الرسمي، متابعاً أن الهدف هو “إنشاء مراكز حماية للاجئين خارج الاتحاد الأوروبي”.
وذكرت وسائل إعلام، أن من بين أسماء الدول المقترحة تونس وألبانيا التي كذبت الخبر. من جهته قال “كورز”: “نعمل في هذا المشروع مع عديد قليل من الدول وبطريقة سرية جداً (…) بهدف الإسهام في إنجاحه”.
وطن اف ام / مواقع