تُعتبر الأجهزة الأمنية، الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام في سورية، وهو الذي يوصف أساساً بالنظام الأمني، إذ أن لفروع مخابرات النظام المختلفة، صلاحياتٌ غير محدودة في سورية، فقد تغولت في كافة مؤسسات الدولة، وتتدخل بترتيب وتنظيم أدق تفاصيلها، كما وأن هذه الأجهزة الأمنية، التي تتصرف وتتحرك دون قانون، لطالما مثّلت بالنسبة لكثيرٍ من السوريين، رعباً راسخاً في نفوسهم، في بلدٍ يقال فيه أن أجهزة الأمن تُحصي على الناس أنفاسهم.
ولعبت عوامل عدة، في إعطاء هذه الأجهزة الأمنية حرية التصرف والتدخل في مؤسسات الدولة وحياة السوريين دون حدود، أبرزها أن سورية أساساً تُحكم بحالة قانون الطوارئ منذ سنة 1963، وهو القانون الذي يمنح هذه الأجهزة الأمنية صلاحيات غير محدودة، فتعتقل من تشاء من السوريين، دون إذن قضائي، وهو ما حصل بالفعل في مناسبات كثيرة قبل الثورة السورية، وزاد كثيراً بعد اندلاعها.
كما أن التركيبة الطائفية لهذه الأجهزة الأمنية، هي عاملٌ إضافي، في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها هذه الأجهزة منذ انطلاق الثورة.
ولطالما طالبت المعارضة السورية في جلسات التفاوض خلال مسار جنيف، بضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية لنظام الأسد، عبر إعادة هيكلتها وإخضاعها للقانون وفق معايير احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
فالمعارضة السورية ترى أن تركيبة أجهزة النظام الأمنية كما هي قائمة منذ عقودٍ حتى يومنا هذا، تحول دون إمكانية أي إصلاحٍ لهذا النظام، كما وتحول دون إمكانية إنجاز أي حلٍ سياسي، ولهذا تطالب بضرورة إعادة هيكلة هذه الأجهزة الأمنية، وهو ما يرفضه النظام تماماً، لكون هذه الأجهزة الأمنية، هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها نظام الأسد، وهي ذراعهُ التي يبطش بها.
وفيما يرفض النظام أي تدخلٍ في عمل هذه الأجهزة الأمنية، كما ويرفض إعادة هيكلتها، فإن عقدة الأجهزة الأمنية في سورية، تبقى مع عُقدٍ أخرى، هي أكبر المعضلات التي تقف عائقاً أمام إنجازِ أي حلٍ سياسي.
وبحثت هذه الحلقة من برنامج “في العمق” في مسألة إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية، في بلدانٍ شهدت صراعاتٍ وثوراتٍ، أدت لتحولها إلى الديمقراطية لاحقاً، كالبرازيل ورومانيا. وأجرت “وطن اف ام” خلال الحلقة، استطلاعاً للرأي، تحدث فيه سوريون، عن وجهة نظرهم، حول إمكانية أن يتحقق مطلب المعارضة السورية في مفاوضات جنيف، بضرورة إعادة هيكلة أجهزة النظام الأمنية وإخضاعها للقانون وفق معايير حقوق الانسان.
واستضافت حلقة اليوم، الباحث في “مركز عمران للدارسات” ساشا العلو، الذي شارك مؤخراً، في تأليف كتاب “التغيير الأمني في سورية”، عبر كتابته لثلاث أوراق بحثية، حول برامج نزع السلاح والتأهيل وإعادة الدمج، ودور المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطية وإعادة هيكلة الاجهزة الأمنية لدول ما بعد الصراع، وتجارب إصلاح الأجهزة الأمنية في دول ما بعد الصراع.
وطن اف ام