بعد الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات السورية، بدأ حلفاء بشار الأسد إعادة حساباتهم، ووضع سيناريوهات بديلة للمستقبل. ففي 15 أبريل/ نيسان الجاري، اجتمعت قيادات مليشيات عراقية مقاتلة في سورية، برعاية إيرانية، لترتيب أوضاعها السياسية والقتالية حال رحيل الأسد. ولم ينعقد الاجتماع لأن رحيل الأسد بات قريباً، ولكن لأن تصرفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير متنبَّأ بها. وقد تداول المجتمعون في دمشق أفكاراً حول “الانفصال عن قوات النظام” و”ضم متطوعين سوريين من مدن الساحل السوري، وتسليمهم مهمة قيادة فصائل المليشيات”، والظهور بمظهر “المقاومة الشعبية”، والتأكيد على شعارات “حماية محور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي”.
بات قرار القتال في سورية حتى لو غادر الأسد السلطة محسوماً. وكتب الزميل عثمان المختار في “العربي الجديد” عن تفاصيل هذا الاجتماع تحت عنوان “مليشيات عراقية: باقون في سورية ولو رحل الأسد” في 21 أبريل/ نيسان الجاري.
مرت أنباء اجتماع المليشيات العراقية في دمشق مروراً عابراً، لأن بقاء هذه المليشيات في سورية، وقتالها حتى لو رحل الأسد، أمر مسلم به من الأساس، فلم يعد الأسد إلا خيطاً ناظماً لمجموعة مليشيات طائفية، تقاتل تحت رايته أكثر من قتالها تحت إمرته.
لا يختلف مشهد الأسد كثيراً عن مشهد خصومه، إلا أن لمعسكر النظام “رمزاً” يتمركز القتال حوله، الأمر الذي يفتقده معسكر المعارضة الأكثر تشتتاً. وقد نُشرت تقارير كثيرة عن أمراء الحرب، في معسكر النظام، وفقدان الأسد السيطرة. باتت المليشيات تحكم نفسها، وأصبحت تنظم هجماتها، وتحكم السيطرة على خطوط إمداد، وخطوط تهريب. وهذا بعد العام 2013 وليس خبراً جديداً.
ما يتم تجاهله في سورية أن النظام فشل بالاعتماد على نفسه لقمع المعارضة، فجنّد الشبيحة أولاً. ثم استعان بالإيرانيين الذين جلبوا له مليشيات طائفية من أفغانستان والعراق ولبنان لقتال الفصائل المسلحة. وعندما فشل هؤلاء أيضاً، تدخل الروس تدخلاً مباشراً. وهنا، يأتي سؤالٌ ملح: أي معنى تبقَّى للدولة؟
فشل النظام السوري باحتكار العنف، فتحولت الثورة مسلحة، ثم فشل في احتكار العنف حتى في المناطق التي يسيطر عليها، فأصبحت في قبضة مليشيات أجنبية موالية له ومجموعات من الشبيحة.
في الجهة المقابلة، لم يفشل النظام في حماية مواطنيه وحسب، بل قتلهم، وأبادهم في عمليات انتقامية عشوائية، إنْ بالسلاح الكيميائي أو بالبراميل المتفجرة، متبعاً سياسات التنكيل واستهداف المدنيين بصورة مباشرة لعزلهم عن المسلحين. وهنا، لم تخضع “الدولة” في سورية لتعريف مدرسي آخر للدولة: التنازل عن شيء من الحرية في مقابل الحماية، فأصبحت الدولة القاتل الأكبر.
قرار المليشيات العراقية القتال حتى لو رحل الأسد متوقع. وسيقاتل حزب الله على جبهاته حتى لو سقط النظام، ولن يقوم بأكثر من إعادة انتشار لقواته على الأرجح. سيستمر الشبيحة في القتال أيضاً، فهم أمراء حرب في مناطقهم.
بشار الأسد مرتهن لمعسكره. تعامل الروس المهين واستدعاؤه لمقابلة وزير الدفاع سيرغي شويغو على الأراضي السورية في يناير/ كانون الثاني 2016 مثال صغير. تصريحات المليشيات العراقية الموالية لإيران مثال آخر.
لم يعد للأسد “دولة” إلا في خيالات أنصار “محور المقاومة” الذين يريدون أن يبرّروا، باسم فلسفات الدولة، دعم تشكيلات واسعة من المليشيات الطائفية، والقوى الخارجية التي تعبث في البلاد. الأسد طرفٌ في حربٍ أهلية مثل الآخرين، ومدعوم خارجياً مثل الآخرين، وسيطرته على حلب أو ريف دمشق لن تكون عودة للدولة، بل سيطرة لمليشيا على منطقة.
ما يجعل الأسد مختلفاً عن أي طرف مقاتل في سورية أنه الفصيل الأكثر تنكيلاً بالسوريين، الأكثر قتلاً وإبادة لهم، والذي يتحمل المسؤولية كاملةً عن كل ما يجري، لأنه كان “الدولة”.
المصدر : العربي الجديد