نشر موقع «كوارتز» تقريرًا يعرض فيه ما اكتشفه علماء الأعصاب مؤخرًا بشأن تعدد المهام، وأثره في استنفاد طاقتك وتركيزك؛ وبالتالي إنتاجيتك.
صار تفحص الهاتف الذكي باستمرارٍ فور الاستيقاظ من النوم روتينًا يوميًّا في حياتنا. نبدأ يومنا بتفحص البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، ثم نستعد للذهاب للعمل، ثم نتفحصهما مرة أخرى، ثم ننطلق في طريقنا، وقد نتفحصه مرة أخرى لدى وصولنا إلى مكان العمل، أو بين الحين والآخر أثناء قيامنا بالمهام المختلفة.
يتسبب هذا الكم الهائل من الأنشطة والمهام المتعددة في بداية يومك في إرهاقك. قد يغيب عن البعض حقيقة أننا عندما نقوم بمهام متعددة، نحن واقعيًّا لا نقوم إلا بمهمة واحدة ثم ننتقل لأخرى.
يقول «دانييل ليفنتين»، أستاذ طب الأعصاب السلوكي في جامعة مكغيل: إن هذا التنقل بين المهام المختلفة يأتي بضريبة بيولوجية، إذ إنه يستنفد الجلوكوز المؤكسد في المخ، مستنفدًا بذلك الوقود الذي تحتاجه لإنهاء مهمة ما، فيؤدي إلى شعورك بالإرهاق أكثر وأسرع من تركيز انتباهك على مهمة واحدة.
يؤكد إنه عادةً ما يبدأ الناس في تناول المزيد من القهوة، أو المزيد من الأكل، ليتغلبوا على هذا الشعور بالإرهاق، في حين أن ما يحتاجون حقيقة هو مجرد استراحة، وإعطاء عقولهم مساحة لتهيم في أمرٍ بعيدٍ عن تلك المهام، على سبيل المثال المشي لبعض الوقت، أو النظر خارج النافدة، أو الاستماع للموسيقى، أو القراءة، لكن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بالتأكيد ليست الحل.
يقول «ليفينتين» إن تفحص شبكات التواصل الاجتماعي باستمرار أثناء القيام بمهمة ما لا ينتج عنه إلا صدع أكبر في تركيز الفرد.
تقول «جلوريا مارك»، أستاذ بقسم المعلومات في جامعة كاليفورنيا بإرفاين، إنه عندما تتم مقاطعة فرد في العمل فهو يحتاج حوالي 23 دقيقة و15 ثانية للاندماج مرة أخرى فيما كان يقوم به، فضلًا عن أن أغلب الناس ينخرطون في مهمتين أخريين قبل العودة للمهمة الأولى التي كانوا يعملون عليها.
وتؤكد أن هذا النوع من التنقل بين المهام يؤدي إلى تراكم الضغوط على الفرد، ولعل ذلك يفسر ظاهرة أن الناس الذين يقومون بالمهام المتعددة هم أكثر ميلًا للعصبية والاندفاع، نتيجة كثرة تشتتهم بين المهام المختلفة.
يضيف «هال باشلر»، أستاذ علم النفس في جامعة يو سي بسان دييغو، إن القيام بمهام متعددة في نفس الوقت ليس دائمًا استنفادًا لطاقة العقل. فعلى سبيل المثال القيام بمهمة تعتمد بالأساس على آلة تعمل ذاتيًّا يتيح لك المجال للقيام بمهمة أخرى. ولعل أبرز الأمثلة في ذلك هو تنظيف ملابسك في المغسلة، إذ من المنطقي جدًّا أن تبدأ في قراءة كتاب ما حتى انتهاء الغسالة.
المقصود بتعدد المهام الذي يؤثر سلبًا في طاقتك، هو تعدد المهام التي تنطوي على نوع من التحدي، حتى ولو كانت المهمتان بسيطتين.
من بين تلك المهام التي تؤثر سلبًا في إنتاجيتك، وتزيد من تشتتك هو تفحص إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني.
طبيعة بشرية!
تعتقد «جلوريا» أننا بطبيعتنا مجبولون على تفحص مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني بين الحين والآخر. وتفسر ذلك بأننا في كل مرة نتفحص الفيسبوك أو البريد يتسلل لنا الشعور بأنه أمر مهم، وهو ما يعرف في علم النفس بـ «التعزيز العشوائي» وهو يتلخص في المكافأة السلبية على سلوك حسن؛ فيضطر الإنسان إلى التمادي باحثًا عن المكافأة الإيجابية التي توقعها بداية.
ففي كل مرة يصلك إشعار وتفتحه لشعورك أنه ربما يكون مهمًّا، في حين أنه ليس كذلك يدفعك ذلك لمزيد من التفحص مستقبلًا آملًا في العثور على هذا البريد المهم المنشود، وعلى الجانب الآخر إذا وصلك البريد المهم حقًّا، غالبًا يصلك بصورة عشوائية، فأنت تستمر في التصفح لتحصل على المكافأة الإيجابية نتيجة كونه مهمًّا. يرتبط هذا السلوك بتجارب «بافلوف» الشهيرة في علم النفس (والتي تفيد بأن العشوائية هي إحدى مراحل التعلم الأولى). وتضيف أن هذا السلوك العشوائي في بدايته قد يشكل صعوبةً بالغةً في التغلب عليه لاحقًا.
العلاج
يكمن الحل في التخلي تمامًا عن تعدد المهام في الوقت الواحد، والبدء في تكريس تركيزك على أداء مهمة واحدة. يمكنك تفحص الإيميل في أوقات ثابتة خلال اليوم، على سبيل المثال في الصباح، ومنتصف اليوم، واستمر على ذلك، فيتثنى لك البعد عنه أثناء قيامك بالمهام.
تعتقد «جلوريا» أن التكنولوجيا قد تساعد في حمايتك من «تدمير الذات»، كالبرامج التي تجبر الشخص على أخذ استراحة في وقت بعينه كل بضعة ساعات.
ويضيف «ليفيتين» أنه في حالة المشروعات طويلة المدى، والتي تنطوي على تحدٍ، يحتاج الفرد حوالي 25 دقيقة إلى ساعتين متواصلتين للعمل عليها بتركيز. وفي حالة استغرَقتَ وقتًا أقل من 25 دقيقة، وتعرضت للتشتيت فأنت بذلك تكتب نهاية المشروع، وبالأحرى استعد لتركه لعدم قدرتك على الالتزام به.
المصدر : وكالات