توصلت دراسة حديثة إلى أن نمط الحياة البدائي والبعيد عن مظاهر التكنولوجيا الذي تعيشه طائفة الآميش في الولايات المتحدة الأمريكية يعود عليها بفائدة واحدة على الأقل، وهي أن أفرادها قلما يُصابون بداء الربو!
تقول المُعدة الرئيسية للدراسة آن سبيرلينغ، الأستاذة المساعدة بكلية الطب بجامعة شيكاغو الأمريكية: “لقد وجدنا بأن مُعدلات الإصابة بالربو والحساسية الأرجية allergic sensitization لدى أطفال الآميش كانت متدنية بشكل واضح جداً، وكأن لديهم مناعة ضد هاتين الحالتين!”.
وبحسب الباحثين، فإن هذه النتائج بدت جليةً عند مقارنة مُعدلات الإصابة بالربو لدى أطفال الآميش مع نظيراتها لدى أطفال الهوتريتيون (مجموعة عرقية دينية)، حيث يتشابه نمط معيشة أبناء الطائفتين في أوجه عديدة، فيما ما عدا أن الهوتريتيون يستخدمون المكنات الحديثة في الزراعة. فقد بلغت نسبة انتشار الربو بين أطفال الآميش حوالي 5 في المائة، في حين بلغت نسبة انتشار الربو بين أطفال الهوتريتيون حوالي 21 في المائة.
ومن الجدير ذكره بأن معدل انتشار الربو بين أطفال الولايات المتحدة بصورة عامة يبلغ حوالي 9 في المائة.
وبحسب المعهد الأمريكي الوطني لصحة القلب والرئة والدم، فإن الربو هو حالة ُمزمنة تُصيب المجاري الهوائية التنفسية وتُسبب صعوبة في التنفس. وعلى الرغم من أن السبب الحقيقي للإصابة بالربو لا يزال مجهولاً، إلا أن العلماء يعتقدون بأن عوامل وراثية وبيئية تعلب دوراً في الإصابة به.
يُذكر بأن الآميش والهوتريتيون هما مجموعتين عرقيتين دينيتين، هاجرتا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة بين عامي 1700 و1800 م عقب ما تعرضوا له من اضطهاد ديني في أوربا. واستوطن الآميش بشكل رئيسي في شمال إنديانا، والهوتريتيون في جنوب داكوتا. وتقضي التعاليم الدينية لهاتين الطائفتين بألا يتزوج أفرادهما من خارج مجتمع الطائفة.
وبحسب الباحثين، فإن أفراد كلتا المجموعتين يتشابهون جداً فيما بينهم من الناحية الجينية، كما إنهم يشتركون في العديد من العوامل البيئية، مثل:
– تدني معدلات البدانة في أثناء الطفولة
– العدد الكبير لأفراد الأسرة
– استمرار الأمهات في إرضاع أطفالهنّ طبيعياً لمدة طويلة نسبياً
– الاهتمام العالي بتلقيح الأطفال
– قلة التعرض لدخان التبغ والتلوث البيئي الموجود في المدن
– عدم تربيتهم لحيوانات أليفة في المنازل
– النظام الغذائي الغني بالدهون والملح والحليب الطازج
ويكمن الفرق الرئيسي في أسلوب المعيشة بين أفراد الطائفتين، في أن الآميش يعيشون حياة المزارع البدائية بكل ما فيها، من اقتصار على منتجات المزارع واستخدام الخيول والعربات بدلاً من السيارات الحديثة، في حين يعيش الهوتريتيون في مزارع مُجهزة بتقنيات حديثة وتعود ملكيتها للجميع.
تقول سبيرلينغ: “يعيش الآميش حياة زراعية بالمطلق، فترى الأطفال ينتشرون داخل وخارج الحظائر، ويتعرضون بشكل دائم للحيوانات فيها، وحتى الأمهات الحوامل يعملن في الحظائر ويحلبن الأبقار بشكل يدوي”.
قام الباحثون بمقارنة نتائج فحص 30 طفلاً من طائفة الآميش (بلغ متوسط أعمارهم 11 سنة) مع نتائج فحص 30 طفلاً من طائفة الهوتريتيون (بلغ متوسط أعمارهم 12 سنة). وقد شمل الفحص على دراسة السلالة الجينية للطفل، وتحرّي العوامل البيئية المحيطة به، وتقييم كفاءة جهازه المناعي، وتحليل عينات دموية منه، وقياس مستويات المواد المُثيرة للحساسية والعوامل المسببة للأمراض في منزله عن طريق جمع عينات من الغبار.
وقد وجد الباحثون بأن معدلات انتشار الربو لدى أطفال الآميش كانت أدنى بحوالي أربع إلى ست مرات من معدلاتها لدى أطفال الهوتريتيون. وفي الوقت ذاته، كانت عينات الغبار المأخوذة من منازل أطفال الآميش مختلفة جذرياً عن تلك المأخوذة من منازل أطفال الهوتريتيون.
وتُعلق سبيرلينغ على هذه النتائج بالقول: “إننا لا نعلم بالضبط جميع العناصر الموجودة في الغبار، ولكننا وجدنا بأن عينات الغبار المأخوذة من منازل الآميش كانت تحتوي على كميات أكبر من المنتجات البكتيرية، وأن ثمة شيء في هذا الغبار يُساعد على وقاية أطفال الآميش من الإصابة بالربو”.
ويرى الباحثون بأن هذه النتائج تُعيد إلى الأذهان ما اصطلح على تسميته فرضية النظافةhygiene hypothesis، حيث يعتقد الكثير من الخبراء بأن الجهاز المناعي لا يتحفّز بشكل كافٍ عند الأشخاص الذين يتبعون النمط الغربي في المعيشة، وأن أمراض الحساسية والربو قد تنجم عن عدم تعريض الجهاز المناعي للعوامل المرضية أو المثيرة للحساسية مما يؤدي إلى إصابته بالكسل.
قام الباحثون بتعريض الفئران إلى مكونات الغبار المأخوذ من بيوت الآميش، فوجدوا بأنها وقت الفئران من الإصابة بالربو التحسسي، في حين أن الغبار المأخوذ من الهوتريتيون لم يُفلح في وقاية الفئران من الإصابة به.
تقول سبيرلينغ بأن هذه النتائج قد تدفع الباحثين إلى ابتكار أدوية للربو والأمراض التحسسية باستخدام الغبار الموجود في بيوت الآميش، إلا أن الطريق لذلك لا يزال طويلاً قبل أن يصبح حقيقة.
وفي معرض التعليق على الدراسة، تقول الدكتورة جنيفر أبليارد، رئيسة قسم الحساسية والمناعة بمستشفى سان جون بمدينة ديترويت الأمريكية: “إنني أتفق تماماً مع هذه النتائج، وأرى بأنها تدعم بالفعل فرضية النظافة وتُظهر مدى تعقيد الإصابة بداء الربو والحساسية”.
وتُضيف: “لعله من الصعب أن تجد نتائج هذه الدراسة مجالاً عملياً لكي تُطبق فيه بشكل مباشر، ألا أننا ننصح الآباء بالسماح للطفل أن يلعب في أماكن قد لا تكون نظيفة وعقيمة تماماً، وألا يبالغوا في تعقيم كل ما يحيط به”.
المصدر : وكالات